طيّب جبّار يُحاضر عن الشعر والإيقاع

ثقافة 2023/06/12
...

 البصرة: صفاء ذياب

في ظل الانفتاح الثقافي الذي يسعى إليه اتحاد الأدباء والكتاب في مدينة البصرة، بهيئته الإدارية الجديدة، أقامت اللجنة الثقافية في الاتحاد محاضرة للشاعر المهندس طيّب جبّار، قادماً من مدينة السليمانية، لطرح مفاهيم جديدة عن علاقة الشعر بالإيقاع. فجبّار الذي أصدر عدداً من المجموعات الشعرية باللغة الكردية، وترجمت أغلبها ونشرت باللغة العربية.
 فضلا عن كتاباته في العمارة كونه مهندساً معنياً بهذا الموضوع، وأنجز أكثر من كتاب عن الإيقاع ومفاهيمه والمبادئ التي يقرأ من خلالها.وفي المحاضرة التي قدمها الشاعر طالب عبد العزيز، ابتدأها جبّار بقراءة قصائده الجديدة، بناء على طلب المقدم والحاضرين، لتعد مدخلا محاضرته عن الشعر والإيقاع.
وقبل أن يبدأ طيّب جبّار محاضرته، قسّم الإيقاع بحسب الفنون، منها ما هو زماني ومنها ما هو مكاني. وبحسب جبّار، فهناك فنّان خالصان، فالموسيقى فن زماني، والرسم فنُّ مكاني في حين أنَّ الرقص والأدب والمسرح والسينما فنون زمانية مكانية، أو كما أسماها زمكانية، في حين أنَّ النحت والعمارة، فنّان مكانيان زمانيان. وبهذا تمكّن جبّار من فكَّ شفرة العلاقة بين الزمان والمكان في الفنون كما قال تحديداً. فلا يوجد مكان في الموسيقى والصوت، بل زمان فقط، أنت تستمع إلى الموسيقى بناءً على وحدات زمنية، في حين أنت تنظر للوحة من منظور مكاني فقط، فلا توجد حركة حول اللوحة، بل ينظر لها من منظور وحيد يعتمد على المكان فحسب. في حين أنك تنظر إلى المنحوتة أو البناية من زوايا مختلفة، وهنا ستجد مكاناً توضع فيه المنحوتة والبناية، وزوايا نظر تحدد زمن رؤيته لكل جهة، إن كانت رؤيتك من الأمام أو الجانب أو الخلف أو الأعلى. الأمر نفسه ينطبق على المسرح والسينما وغيرهما من الفنون.وفي تعريفه للفن، فإنّه نشاط إنساني، وهو نشاط جديد، وحيد وجميل يدهش المتلقي ويمنحه المتعة. والشعر كما يصفه هو الرسم بالكلمات والنغم، أي (صورة ذات إيقاع). وعلى الرغم من التصنيفات الكثيرة للفنون، غير أنَّ جبّار مقتنع بتصنيفها على أساس الزمان والمكان، فللموسيقى أربعة عناصر، (اللحن، الإيقاع، الهارمونيا، الطابع الصوتي). غير أنَّ الإيقاع والهارمونيا يدخلان في الفنون كلّها.أمَّا الرياضيات أبو العلوم، ويدخل في العلوم النظرية كلّها، والتطبيقية كذلك. وانطلاقاً من هذا، يتبنّى مقولة فيثاغورس الذي يرى أنَّ (الكون عدد ونغم) العدد يعني الرياضات، والنغم يعني الموسيقى، ومن ثمَّ فإنَّ الإنسان محصور بين إيقاع الكون وإيقاع جسده، لهذا يجب أن يكون نتاجه الفني إيقاعياً، وهذا ينطبق على الموسيقى والشعر والرسم والنحت والعمارة والفنون كلّها، فلا يوجد فن يخلو من الإيقاع، لكن بتباينات تختلف بين فنٍّ وآخر. ومن جهةٍ أخرى، يرى جبّار أن الإيقاع في الفنون جميعها يختلف عن الإيقاع الموسيقي، لأنَّ له أدوات مختلفة، فأداة الموسيقى هي الصوت، في حين أنَّ أداة الشعر الكلمة، أما أداة الرسم فهو اللون، وهكذا بقية الفنون.
فتح جبّار حديثه في الموضوع الرئيس للمحاضرة (الشعر والإيقاع) بتحديده أنَّ الشعر فن زمكاني (زماني- مكاني) أداته الكلمة، وإيقاعه الخارجي يعتمد على الوزن والقافية وحركات الحروف وتناسق الكلمات والتتابع والتكرار، وتفاصيل كثيرة تدخل ضمن الإيقاع الخارجي. وكلامه هذا من أجل وضع حدٍّ فاصل بين الإيقاع الخارجي وما يعرف من جهة أخرى بـ (الإيقاع الداخلي)، رافضاً أن يكون للشعر موسيقى، بل إيقاع فقط، ولهذا مبررات عدّة ذكرها جبّار في محاضرته التي امتدّت لأكثر من ساعتين.  وعلى الجانب الآخر، تحدّث جبّار عن الإيقاع الداخلي الذي يؤكّد أنّه محل خلاف واجتهادات مختلفة. بدءاً من الناقدة الإنكليزية إليزابيث درو التي تقول إنَّ (الإيقاع تدفّق وانسياب مرتبط بالمعنى أكثر من الوزن، ومرتبط بالحواس أكثر من التفعيلة).ومن ثمَّ توسّع جبّار في استشهاداته وطرح آراءً كثيرة من خلال مقولات وطروحات النقّاد والأدباء الأجانب مثل سوزان برنار، جان كوهين، تودوروف. والعرب: علوي الهاشمي، حاتم الصكر، محسن أطيمش، أدونيس، أنسي الحاج، يوسف الخال، فاضل ثامر، أحمد بزون، محمد كوردو وآخرين.وقرأ جبّار من مصادر عدّة آراء هؤلاء النقاد مؤكّداً أنّه لم يجد بينها رأياً مقنعاً أبداً، ومنها آراء الدكتور حاتم الصكر التي يشير من خلالها إلى أنَّ الإيقاعات أنواع عدّة، منها: إيقاع المفارقة الساخرة والثنائيات الضدية، والإيقاع القائم على التوازي الذي نعني به مجاراة لمقترح جاكوبسون في (قضايا الشعرية) ما يتشكل من علاقات بين الوحدات المتكررة المرتبة في تشابهات وتباينات ترينا العلاقة بين الشكل الخارجي والدلالة المستنتجة من النص، وإيقاع التكرار والإعادة، إذ تبني القصيدة هيكلها على إعادة الفكرة بألفاظ متنوعة أو بالألفاظ ذاتها أحياناً، وإيقاع التعاقب أو النمو والتوالي، إذ تكون للجملة الشعرية أجزاء صغرى يؤدّي أحدها للآخر حتّى النهاية. وهو إيقاع ذو ميزة نثرية سردية.. وبحاجة لترابط واعٍ قريب من السيناريو السردي. والإيقاع الترابطي الذي يتجاوز تجاور العبارات والألفاظ، أو تتبُّع معانيها الجزئية، بل يربط بعضها ببعض ارتباط السبب بالنتيجة، من دون التقيد بحقيقتها الخارجية أو الوضعية؛ لأنَّ ذلك ستنسفه الانزياحات والعدول من معنى لآخر بالمجاورة، وإيقاع التناقض والتضاد القائم على الطباق الصوري أو استحضار السلب اللغوي. في حين يشير الدكتور علوي الهاشمي إلى أنَّ الوزن يشكّل مرتكزاً إيقاعياً في النص، على أنَّ طبيعة العلاقة بين مجالي بنية الإيقاع تكمن في أنَّ الإيقاع الخارجي تجسيداً للداخل، والإيقاع الظاهري كشف للباطن، ضمن علاقة الجدي بين الخفاء والتجلي، والحركة والسكون، والصوت والصمت.ويكمل جبّار حول رأي الهاشمي بالإيقاع: الذي يعني التدفّق، أو الانسياب، وهذا يعتمد على المعنى أكثر مما يعتمد على الوزن، وعلى الإحساس أكثر من التفعيلات.وعلى الرغم من طرح آراء كثيرة بالمحاضرة، منها عربية ومنها أجنبية، والتي تجاوزت العشرة آراء من عشرة مصادر، غير أنَّ طيّب جبّار لم يقتنع بها، محدّداً رأيه الخاص وملخصاً فكرته عن الإيقاع الداخلي في الشعر كما يلي:
- كل إيقاع يستقبل من قبل الحواس الخارجية للإنسان، يدهشه ويمنحه المتعة، ويعدُّ إيقاعاً خارجياً.
- كل إيقاع يستقبل من قبل الحواس الداخلية للإنسان، يدهشه ويمنحه المتعة، يعدُّ إيقاعاً داخلياً.واستشهد بمقاطع من قصائد الشعراء: صلاح فائق، آرثر رامبو، دولار قرداغي، طيب جبار لإثبات رأيه. غير أنَّ هذا الرأي الملخّص الذي أنهى به جبّار محاضرته، كان مثار خلاف بين الحاضرين الذي بدأوا نقاشاتهم هو الإيقاع والإحساس به وكيفية فهم العلاقة بين الإيقاع الخارجي والإيقاع الداخلي.