محمد جواد ظريف.. مراجعات تقويمية في السياسة الخارجية الإيرانية

قضايا عربية ودولية 2023/06/14
...

 جواد علي كسار

كشفت مشاركة محمد جواد ظريف في ندوة “كلوب هاوس” الثلاثاء الماضي، عن براعة فائقة لوزير خارجية إيران السابق، في ضمان تواجد متميّز له وسط المشهد السياسي الإيراني. فعلى مدار حضور زاد على الست ساعات، سلّط الوزير ظريف أضواء مكثفة على ملفات أساسية في السياسة الخارجية، تربّع على رأسها الملف النووي والعلاقة مع أميركا وأوروبا، ومع دول الجوار ولاسيّما السعودية. بيدَ أن الأخطر من المعلومات التي أدلى بها على أهميتها، هي النقاط المنهجية، وفي طليعتها اضطراب سياسة بلده بين ثنائية الأماني والإمكانيات؛ والاستقطاب الشديد بين الدبلوماسية والعسكرة؛ وإشكالية القرار بين وزارة الخارجية وبقية المؤسّسات الدستورية منها وغير الدستورية؛ وتشوّش الرؤية وتبعاً لها المواقف بين الشرق والغرب، وبين المنطقة والعالم؛ دائماً بحسب ظريف.
وفي هذه المراجعات التقويمية في المنهج والمرجعية الذهنية، تكمن برأينا أهمية ما أدلى به ظريف، وليس في المعلومات والشوارد المحضة التي جاءت في سياق حديثه المطوّل، وهو ما دفعنا إلى فتح ملف الدبلوماسي والوزير السابق من خلال مركّب مكوّن من محاور ثلاثة متعاضدة؛ هي الظاهرة وردود الأفعال والتحليل.

ردود الأفعال
منطقياً كان ينبغي أن نبدأ بالظاهرة قبل ردود الأفعال، لكن سنفعل العكس موضوعياً؛ إذ سننطلق من تصوّر عام عن ردود الأفعال، مكتفين الآن بالارتكاز الذهني الكلي عن الظاهرة المتمثلة إجمالاً؛ بكلام تفصيلي لظريف عن سياسة بلده شارك به في ندوة على وسائل التواصل، وقبله مقال مكثَّف على قناته في “الانستغرام”، لكي نهيئ الأذهان من خلال الشحنة العنيفة لردود الأفعال بوجهيها الرافض والمؤيّد، ثمّ نعود مجدّداً إلى المحاور الأساسية، ونختم بالتحليل أو نظرية التفسير.
يُمكن أن نسجّل إجمالاً أن الصحف السياسية الأساسية غطّت كلام ظريف ومقاله المختصر معاً، واتخذت مواقف تبعاً لتخندقاتها الأيديولوجية وتموضعاتها السياسية؛ تبعها في ذلك البارز من المواقع الإخبارية والتحليلية المؤثّرة المرتبطة بالجهات، مضافاً إلى عدد غير قليل من نواب البرلمان ومن الذوات السياسية والأكاديمية، ربما جاء على رأسها الرئيس السابق حسن روحاني، الذي أيّد إجمالاً ما ذكره ظريف، بعد أن وصفه بأنه: “أمين النظام”.
كالعادة انقسمت الصحف في تغطيتها إلى اتجاهين أساسيين، تبعاً لتموضعاتها بين الخطين السياسيين الرئيسيين؛ الأصولي والإصلاحي مع ما يتخللهما من تموّجات، تبدأ في كلّ واحد منهما من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لتتنوّع الرؤى وتبلغ حدّ التباين والاختلاف داخلهما.
على الخط المعارض اصطفّت صحف اليمين الأصولي المتطرّف، معها تلك التي تلتزم موقف الرسمية الإيرانية وتستميت في الدفاع عنها، ضدّ أي نقد مهما كان، فكانت الصولة في هذا المضمار لصحف: “كيهان” التي تتصدر التيار المتشدّد، و”جوان” المصنّفة على الحرس الثوري، و”إيران” الصادرة عن وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية، و”همشهري” الناطقة باسم أمانة العاصمة، و”جام جم” الصادرة عن مؤسّسة الإذاعة والتلفزة، بالإضافة إلى تحليل مطوّل لنشرة يومية تصدر عن القسم السياسي للحرس الثوري، وقد تصدّى عزيز غضنفري وكيل المعاون السياسي للحرس في الردّ على ظريف، تحت عنوان: “دبلوماسية الاستجداء”.
تضمّنت محاور الردّ على ظريف اتهامه بالتغريب، وأنه يعيش الاستلاب النفسي إزاء أميركا، ويشيع ثقافة استجداء الغرب وأميركا حدّ الذلة والخنوع، وهو يرمي إلى تطهير نفسه من عقدة الاتفاق النووي الذي لم يأتِ بشيء مهم لإيران على عهد الرئيس أوباما، واقتربت مكاسبه من الصفر تقريباً على عهد الرئيس ترامب، بحسب حصيلة مقال “كيهان” النقدي (بتأريخ: 6 حزيران 2023م).

عقدة الرفض
إذا أردنا أن نضع جانباً تفاصيل الردود العنيفة التي واجه بها هذا الاتجاه، مقال ظريف على “الانستغرام” ومشاركته مساء الثلاثاء في “الكلوب هاوس” (مع إقرارنا بأهمية بعضها) وانتقلنا إلى المرتكز الذي تقوم عليه حجة هذا الخطّ المعارض، فسنجد أن الأساس المنطقي يتمثل باستنفاد العقل الأعلى الذي يخطّط للدبلوماسية الإيرانية، لمقولة المرونة مع الغرب، والفشل في تحقيق مكاسب تُذكر من خلال التمييز بين أوروبا وأميركا.
لتوضيح هذه النقطة على نحوٍ مكثف وجلي؛ نعود قليلاً إلى الوراء، لنلحظ أن التخطيط الستراتيجي في علاقة الجمهورية الإسلامية مع الغرب، قام بعد وفاة السيد الخميني عام 1989م، على تسوية بين متطلبات المرجعية الأيديولوجية للثورة والمصلحة الواقعية للدولة، حين التزم الثنائي الجديد في أعلى السلطة المتمثل بالمرشد الحالي وهاشمي رفسنجاني؛ بعلاقة اقتصادية وسياسية مع الغرب، لكن من دون أميركا، ما كان يعني الاتجاه صوب أوروبا والتركيز تحديداً على ألمانيا وفرنسا، وتجميد ملف أميركا ووضعه على الرفّ.

افتراق رأسي
إيران بحسب هذه الرؤية بل المدرسة التي كان يقف في صلبها هاشمي رفسنجاني، كانت بحاجة بعد الحرب إلى التنمية والتطوير الاقتصادي وما يلازمهما، وقد اتجهت عين إيران إلى أوروبا لتحقيق ذلك، لكن مع إضافة شرط سياسي من قبل رفسنجاني، تمثل بستراتيجية التهدئة (تنش زدائى) مع المنطقة والعالم، لتحييد أميركا وطمئنة أوروبا.
كان الشقّ الأوّل موضع اتفاق ليس فقط القيادة العليا، بل محل إجماع كلّ الأطراف، إذ لم يكن أحد يجادل في الوضع الاقتصادي الصعب الذي خرجت به إيران بعد الحرب، وحاجتها الماسة إلى تقنية الغرب الأوروبي وشركاته واستثماراته، إنما وقع الخلاف في الشقّ السياسي، إذ بدا باكراً أن المرشد الحالي لم يحسن الظنّ بجدوى “التهدئة” مع أميركا، بل وتحفّظ مبكراً على الشقّ السياسي في هذه الستراتيجية، ما أدّى إلى احتكاك بدأ صامتاً بين الرأسين (السيد والشيخ) قبل أن يتحوّل إلى اختلاف علني، لاسيّما بعد أن صدرت مؤشرات صريحة قوية وواضحة، تُفيد أن رفسنجاني لا يتعامل في منهج التهدئة السياسية مع أميركا، إلا بصفتها خطوة مرحلية على طريق حلّ ستراتيجي للعلاقة مع أميركا، يقوم على هذا الأساس. وهو ما أعلن المرشد عن رفضه مرّات كثيرة، وأدّى نهاية المطاف إلى الفراق بينهما؛ بديهي بعد أن أضيفت إليه أسباب أُخر.

من خاتمي إلى رئيسي
هذا باختصار شديد هو المرتكز الذي قامت عليه سياسة إيران منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وقد تموضعت الرئاسات التي تواردت على قمة السلطة بين هذين الاتجاهين، قبل أن ينبثق الاتجاه الثالث المتمثل بالانعطاف صوب الشرق، أو ما عُرف بستراتيجية الاتجاه شرقاً، لكي تكون عملياً وواقعياً نقيضاً للاتجاه نحو الغرب، وحتى تعبّر موضوعياً عن ضرب جديد من التسوية الأيديولوجية، بين مبادئ الثورة وخطّ المؤسّس وبين المصالح المتغيّرة للجمهورية الإسلامية، بعد أن تعثرت ستراتيجية العلاقة الاقتصادية الإيجابية مع دول أوروبا، وبلغت الطريق المسدود سياسياً مع أميركا، على الأقلّ بحسب تقويم المرشد وتياره ومؤيّديه.
باختصار، مثّلت السنوات الثماني من رئاسة رفسنجاني (1989 _ 1997م) بداية تأسيس ستراتيجية العلاقة الاقتصادية المتينة مع أوروبا، والتهدئة السياسية مع أميركا وحلفائها في المنطقة؛ لكي تبلغ مع رئاسة محمد خاتمي (1997 _ 2005م) أخصب سنواتها وأكثرها حيوية وفاعلية، قبل أن تتراجع بنحوٍ كارثي مريع مع الثماني العجاف لرئاسة أحمدي نجاد (2005 _ 2013م)، وتنتعش مجدّداً مع رئاسة حسن روحاني (2013 _ 2021م)، لتنكفئ إلى الضدّ تماماً مع الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، وتتجه إيران بمقدّراتها وستراتيجيتها صوب الشرق، بأمنيات صناعة محور سياسي جديد، مركزه موسكو والصين وجناحه إيران ومن يؤيّدها أو يلتقي معها في الإقليم، تسنده كتلة اقتصادية صلبة، من أبرز هياكلها “منظمة شانغهاي” و”مجموعة بريكس”.

ثلاث منهجيات
هكذا تقلّبت إيران بين ستراتيجيتين رئيسيتين ضمّت في أحشائها ثلاث منهجيات في السياسة الخارجية، هي باختصار؛ العلاقة الاقتصادية والسياسية المكثّفة مع الغرب بدون أميركا (أي مع أوروبا ولاسيّما ألمانيا وفرنسا)؛ العلاقة الاقتصادية والسياسية مع الغرب الأوروبي كمقدّمة لحلّ إشكالية العلاقة مع أميركا (رفسنجاني ومدرسته)؛ العلاقة مع الشرق وطموحات تكوين محور عالمي (وحتى قطب) جديد في السياسة والاقتصاد يتمحور سياسياً حول موسكو، واقتصادياً حول الصين، ويكون لإيران وسواها موقع التابع لهذا المحور والمدافع عنه.
على هذا، قد لا تكون هناك مشكلة كبيرة للمعارضين مع شخص ظريف (بالتأكيد هي موجودة لاسيّما مع قوّته وتميّزه وكارزميته وفريقه، إزاء الضعف الكبير للفريق الحالي وعلى رأسه وزير الخارجية) لكن الأزمة تكمن عند المعترضين مع الاتجاه والمدرسة، فهم بردّهم على ظريف يردون على روحاني كهدف متوسط، والمبتغى الأساس والهدف الأخير ليس روحاني بل مدرسة هاشمي رفسنجاني وركائز خطها في السياسة والعلاقات الدولية، ومن يقع على شاكلتها (وما أكثرهم اليوم)؛ فالمعارض إذن يردّ على ظريف وعينه على روحاني، لكنه يرمي بأقصى بصره على رفسنجاني؛ وهذه هي المعادلة بكثافة واختصار.
بديهي ثمّ نقاط أُخر ينبغي أخذها بالاعتبار ربما كان في طليعتها، أنه لا يمكن موضوعياً ونفسياً لخطّ الرسمية، تبرير وضع إيران الحالي بخياراته الستراتيجية في الاتجاه شرقاً، من دون إدانة مطلقة وكاملة وتامة لروحاني ومن ورائه خاتمي ورفسنجاني، والحكم عليهم بالويل والثبور ورمي عهودهم بعظائم الأمور، والادّعاء دائماً بأن ما تعانيه الجمهورية الإسلامية الآن على مستوى التضخّم وهزال العملة الوطنية وتلكؤ المصانع والإنتاج، وغياب الاستثمارات وتعطّل مشاريع التنمية، وتوقّف التطوير الحقيقي في مشاريع النفط والغاز، ومشكلات السياسة الخارجية مع الإقليم والعالم، بل حتى الاضطرابات الداخلية المتوالية التي راحت تتحرّك بوتيرة متصاعدة؛ ما هي بأجمعها سوى سيئة من سيّئات ستراتيجية العلاقة مع الغرب بشقّيه الأميركي والأوروبي؛ وما الاتفاق النووي وسواه إلا رشحة من رشحات شرّ إدارة روحاني وقبله خاتمي؛ ومؤسّس النهج وراعيه رفسنجاني.

تطرّف التأييد
ما مرّ هو باختصار ما يفسّر لنا التطرّف والقسوة المشتركة على الجبهتين كليهما؛ الرافضة والمؤيّدة. فكما رأينا لغة التطرّف والإدانة الكاملة تهيمن على المعترضين، فهي كذلك بشأن المؤيّدين إذ لا يكاد يخرج عن هذه المسطرة إلا اللمم، وهو نادر قليل (مثاله مقال تحليلي متزن جداً نشرته صحيفة “اعتماد” الإصلاحية صبيحة يوم الاثنين الماضي).
نكتفي في التدليل على تطرّف التأييد بإشارات سريعة للصحف والمواقع والتعقيبات والتعليقات، التي أيّدت ظريف سواء في مقاله المكثف على الانستغرام أو مشاركته التفصيلية في ندوة “الكلوب هاوس”. فعلى صعيد الصحف لم يكتفِ بعضها بالتغطية والمتابعة، بل حوّل كلام ظريف وتصريحاته إلى مناسبة لفتح ملف إيران في السياسة الخارجية والداخلية أيضاً، عبر نشر مراجعات موسّعة، كما فعلت صحيفة “اعتماد” (خط مهدي كروبي) في ملفها الموسّع “شهادة للتأريخ”، و”آفتاب يزد” (المقربة من خاتمي)، و”آرمان ملى” و”آرمان امروز” و”شرق” (صحف إصلاحية)، و”صبح امروز” في مانشيت متحدٍ على صدر صفحتها الأولى، عنوانه: “لماذا يخشى المتطرفون من ظريف؟” (جرا تندروها از ظريف مي ترسند؟)، تبعتها صحيفة “مردم سالارى” بعنوان آخر لا يقل استفزازاً، هو: “اعترافات بشأن خفايا الاتفاق النووي وظواهره” (8 حزيران 2023م).
بديهي لم نعدم شيئاً من الاعتدال أو التوازن في تغطية بعض الصحف، من دون أن تخلو تماماً من إيماءات التطرّف، كما فعلت صحيفة: “ستاره صبح” بتأكيدها صدر صفحتها الأولى، على أن مشكلة إيران برمّتها وليس السياسة الخارجية وحدها، هي برأي ظريف مشكلة “فكرية إدراكية” تعود إلى اختلاف النماذج الإدراكية والفكرية لكلّ طرف، على ما أشرنا إليه في نظرية التفسير التي تبنّاها المقال. كما ركزت صحيفة “خراسان” الأصولية المعتدلة على التحليل أكثر من الواقعة نفسها بذكر ثلاث قراءات، وكذلك فعلت صحيفة “دنياى اقتصاد” الإصلاحية المعتدلة، بتقديم قراءة من خمسة استنتاجات لرسالة ظريف.
وإذا كان من الطبيعي تفسير موقف صحيفة “جمهورى اسلامى” الأصولية المعتدلة في موقفها المؤيّد لظريف، انطلاقاً من معرفة موقعها على استقطابات الخطوط السياسية في إيران، فإن الملفت للنظر حقاً هو موقف صحيفة “اطلاعات” التابعة للدولة. فمع أن الأصل في هذه الصحيفة الرسمية أنها تمثل قطب التوازن في المرونة والاعتدال والعقلانية، أمام التطرّف الحادّ لصحيفة “كيهان” الرسمية أيضاً، إلا أن موقفها الإيجابي المعلن من ظريف، يُعدّ نادراً في تأريخ هذه الصحيفة، وحرصها الشديد على التوازن وما يمليه من الابتعاد عن إبداء المواقف العلنية في الاستقطابات الحادّة؛ كما فعلت مع ظريف حينما اختارت من كلامه عنواناً عريضاً على صفحتها الأولى، يذكر فيه ظريف أن الاتفاق النووي إذا كان بهذا السوء الذي يصفه به مناوؤه، فلماذا لا تتخلى عنه السلطة الحالية وتتركه يُدفن؟ (8 حزيران 2023م).

ماذا قال؟
يبدو أن ظريف قد مهّد عامداً لحضوره في ندوة مساء الثلاثاء (6 حزيران الحالي) بمقالٍ مكثف على “الانستغرام” كشف به عن الإطار الفكري للنقد الذي يتبنّاه. وبرأيي أن الإطار أهمّ كثيراً من المعلومات؛ بل بالإطار تكتسب المعلومات أهميتها؛ فما هو هذا الإطار؟ بلغة تجمع بين الكناية والمواربة (التقية السياسية) ذكر ظريف أن مشكلة السياسة في بلده، تكمن في الازدواج الماثل بين الأماني والإمكانيات؛ فدائماً كانت الأمنيات عريضة واسعة وممتدّة والإمكانيات ضيقة ومحدودة، ما كان يؤدّي ولم يزل، إلى نكبات وأحياناً نكسات في
الواقع.
لكي يعزّز من حجته أكثر استند مفتتح مقاله إلى نص للمتخصّص بالسياسة الخارجية الإيرانية المقيم في أميركا روح الله رمضاني (ت: 2016م) في ما ذهب إليه من مرض مزمن ابتُليت به السياسة الإيرانية منذ خمسمائة سنة (مع بدايات العهد الصفوي) وهي تعيش نزاعاً بين طموحها في استعادة جغرافية “فارس الكبرى”، وعجز إمكاناتها عن تحقيق
ذلك.
لم يقتصر ظريف على تأييد ما ذهب إليه رمضاني من تنازع حاد بين ثنائية الأماني والإمكانيات، بل زاد عليه عندما ذكر بجرأة كبيرة، بأن جهود التنمية ذهبت هدراً وراحت هباءً خلال السنوات الـ(75) الماضية (عهد الجمهورية الإسلامية بأجمعه، والعقود الثلاثة الأخيرة من حكم الشاه) بسبب أحلام وأماني القادة والزعماء، فضاعت الثروة الوطنية، لأنها ارتبطت بأوهام القادة، ولم تتجه إلى برامج عملية لمعالجة التخلف.
ما بين فكي هذين الخللين الإدراكيين (هيمنة الأماني وأحلام الزعماء) تندرج جميع المعلومات التي أدلى بها ظريف، كشواهد وتفاصيل ابتغى من ورائها تثبيت هذا الأنموذج الإدراكي والدفاع عنه. ومن دون هذه الخلفية لا يمكن تحقيق فهم حقيقي وعميق لجوهر هذه المشكلة (قصة ظريف) وأمثالها في إيران، وهذا ما قادنا إلى تقديم التحليل والتفسير على الحدث نفسه، حرصاً على الوعي ولأن القارئ بمقدوره أن يعود إلى كلام ظريف وغيره، ويفهمه بعمق من خلال هذا الإطار.