التكنولوجيا تهيمنُ على طقوسِ العيد

ريبورتاج 2023/06/26
...

 بدور العامري
للأعياد طقوسٌ خاصَة عند العراقيين والمسلمين بصورة عامة اعتادوا على القيام بها، بوصفها موروثاً لا يتجزأ من الثقافة الدينيَّة والاجتماعيَّة لتلك البلدان، مثل التزاور وصلة الرحم والعيديَّة وغيرها، إلا أن دخول التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، أوجدت تغييراً ملحوظاً على تلك الطقوس وممارستها، البعض يحسبه تهديداً لوجود تلك العادات والطقوس الاجتماعيَّة، بينما يجده البعض الآخر تغييراً طبيعياً يتماشى مع إيقاع الحياة العصريَّة.
رسائل نصيَّة
مع استقبال أول أيام العيد يبدأ سكان الحي الواحد بالذهاب إلى أقرب مسجدٍ لأداء صلاة العيد، وتبادل التهاني والتبريكات، هذا الطقس كان يزاوله الصغار والكبار على حدٍ سواء، أما اليوم فيقول أبو حسين ذو الستين عاماً: "صلاة العيد باتت تقتصر على الرجال من كبار السن وعددٍ من الشباب، وليس الحال كما لو كانت قبل عشر سنوات، وبحسب أبو حسين فإنَّ معظم الشباب والأطفال لا يحضرون صلاة العيد، بسبب تأخرهم في النوم لساعاتٍ متأخرة من النهار، نتيجة السهر الكثير على استخدام الهواتف الذكيَّة والأجهزة اللوحيَّة الأخرى والألعاب الالكترونيَّة"، وتابع أبو حسين "بينما أخذت تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل (واتساب وتليغرام وفايبر) تؤدي دور اللقاء والزيارة الواقعيَّة، لغرض التهنئة بمناسبة حلول العيد، إذ أصبحت تهنئة الأقرباء والأصدقاء عن طريق بعث رسالة نصيَّة تتضمن الأمنيات تفي بالغرض".
بينما يؤكد أبو حسين "حرص الكثير من الأسر والأفراد على أهميَّة زيارة الأهل والأقارب خلال أيام العيد لتبادل التهاني وديمومة صلة الرحم، خاصة مع الوالدين والأخوة والأخوات، والحرص على زيارة الأموات منهم، خاصة خلال عيد الأضحى المبارك".
كليجة العيد
الكاتب والمخرج طالب السيد يصف الأجواء التي كانت ترافق عمل كليجة العيد في المناطق الشعبيَّة قبل دخول الحداثة وانتعاش المستوى الاقتصادي لأغلب الأسر، إذ يقول: "كان عمل الكليجة من الطقوس المفضلة لدى النسوة والأطفال، حيث كانت تتجمع ثلاث أو أربع نساء في بيت إحداهنَّ لصنع الكليجة، بعد عجنها وطباعتها بالقوالب الخشبيَّة مختلفة الأشكال والأحجام، وسط أجواء من الفرح والبهجة بمساعدة الصغار، الذين لا تنقصهم شقاوة الأطفال البريئة عن طريق العبث بالعجين وصنع أشكالٍ يدويَّة غالباً ما تغضب الأمهات، ثم تقوم النسوة بعد ذلك بأخذ العجين المطبوع إلى الفرن الموجود في المنطقة لغرض الشواء".
ويذكر السيد لقطات جميلة لأيام طفولته مع تجربة شواء كليجة العيد، إذ يقول: "كان الشارع الذي يوجد فيه الفرن عبارة عن مهرجانٍ لأعدادٍ من صواني الكليجة متعددة الأشكال والطعم، وكنَّا نأخذ من كل صينيَّة تنضج، عدداً من حبات الكليجة، حتى تمتلئ أثوابنا بأشهى الأصناف والأشكال". وتابع السيد "أما في الوقت الحالي، فقد اختفت هذه الأجواء الجميلة التي كانت ترافق عمل الكليجة وأصبح من السهولة شراء كميَّة من المعمول من أحد الأفران المنتشرة بعلامات تجاريَّة مختلفة، لغرض تقديمها للضيوف خلال العيد".

الأضحية والعيديَّة
مع وجود خدمة التوصيل، التي انتشرت في الآونة الأخيرة، ظهرت خدمة شراء وذبح الأضحية وتوصيلها إلى البيت، وهناك تطبيقات الكترونيَّة خاصة بهذا الشأن أخذت في الانتشار، لا سيما في دول الخليج العربي، إذ عملت هذه التطبيقات على اختفاء خطوات عديدة كان يتبعها الناس في التعامل مع الأضحية في العيد، كما تقول السيدة راجحة موسى ذات السبعين عاماً: "فقد كان الناس في السابق يشترون الأضحية من السوق الخاصة بالماشية قبل عدة أيام، ويحضرون الخروف إلى البيت، وكان أكثر ما يُفرِحُ الأطفال هو الاهتمام بالخروف وإعطاؤه الطعام والشراب، كذلك اللعب واللهو مع ذلك الحيوان اللطيف، لحين قدوم العيد، وغالباً ما يتمّ ذبحه في فجر أول أيام العيد بحضور الأهل والأقارب، ليتمَّ طبخه على وجبة الغداء وسط تجمع الأحبة، ومن الطقوس الجميلة التي يحملها العيد ويفرح بها الأطفال والكبار، هي العيديَّة التي نالها نصيبٌ من التغيير، فبعد أنْ كانت عبارة عن مبلغٍ من المال يقوم بتوزيعه الكبار من الأهل والأقارب بين الأطفال لزرع البسمة على وجوههم، أما حالياً فقد أصبح يتخذ أشكالاً معينة، أو رصيداً يتم تحويله لإحدى البطاقات الخاصة بالألعاب التي توفرها المولات ومدن الألعاب الأخرى".

جوهر العيد
الباحثة الاجتماعيَّة فادية إبراهيم تدعو إلى النظر بإيجابيَّة تجاه بعض التغيرات التي أحدثتها التكنولوجيا وتطور الحياة تجاه طقوس العيد مستندة في ذلك إلى مبدأ "التغيير هو الأصل في المجتمعات" ولا بُدَّ من حدوث هذا التغيير، إذ لا يمكن بقاء الحال على ما هي عليه بصورة مطلقة في جميع الظواهر الاجتماعيَّة بما فيها الطقوس والعادات، وبحسب إبراهيم "أنَّ جوهر العيد هو الفرح والألفة والتسامح وتبادل الأمنيات التي ما زالت باقية بسبب الوازع الديني ولأنه أحد المورثات الدينيَّة للمسلمين".
وبينت الباحثة الاجتماعيَّة أنَّ "التكنولوجيا أسهمت بشكلٍ كبيرٍ في تذليل صعوبات التواصل بين الأهل والأقرباء خاصة ممن يعيشون في بلاد الغربة أو أولئك الذين تصعب عليهم زيارة الأقارب بسبب بُعد المسافة أو المرض أو الظروف الاقتصاديَّة الصعبة كما هي الحال مع اللاجئين والمغتربين في مختلف دول العالم، إذ مكنتهم تلك التطبيقات الذكيَّة من التواصل عبر الصوت والصورة مع ذويهم وأحبابهم وإمكانيَّة تبادل التهاني والأماني خلال الأعياد".