إيهاب حسن.. سيرة ذاتيَّة للقلق

ثقافة 2023/07/12
...

 صالح رحيم
(1)
يجيب إيهاب حسن، الذي ولد في القاهرة، عام 1925، في أحد حواراته، أن الحكومة المصريةَ أوفدته في بعثة دراسية للحصول على درجة الدكتوراه في هندسة الكهرباء من أميركا، للمساعدة في بناء سد أسوان، وبدلا من ذلك حصل على الدكتوراه في اللغة الإنجليزية، وبقي في أميركا. يذكر السيد إمام، مترجم حسن للعربية، أن الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتار، والمنظر المعماري الأميركي تشارلز جينكس، وغيرهم، يدينون له، بوصفه واحداً من أهم المنظرين فيما بعد الحداثة.

(2)
يذهب إيهاب حسن في كتابه «تحولات الخطاب النقدي لما بعد الحداثة» الصادر عن شهريار بترجمة السيد إمام إلى «أن أساليب الصمت في الأدب من صاد إلى بيكيت تحمل تعقيدات اللغة والثقافة والوعي، إذ تعترض هذه الأساليب بعضها البعض ويصطدم كل منها بالآخر، ثم يقول إن تلك الموسيقى الغريبة يمكن أن تكشف عن خبرة أو تجربة، عن حدسٍ بما بعد الحداثة ولكنها لا تعطينا فكرة عنها أو تعريفاً لها» وهذا يعني، بحسبه، لا يمكن تحديد المصطلح، كل ما يمكننا فعله هو الإشارة إليه، ينطوي حديثنا عن فكرة ما بعد الحداثة، على الإيماءة، وهذه، تُحسَب للمفهوم في الوقتِ نفسه، أقصدُ أن مصطلح «ما بعد الحداثة» هو ممارسة ما بعد حداثية.

(3)
يشيرُ حسن إلى غموض مصطلح ما بعد الحداثة بأن «المصطلح، ولا نقول المفهوم، يمكن أن ينتمي لما يدعوه الفلاسفة فئة متنازع عليها ماهوياً، وبلغة أكثر وضوحاً، إذا وضعت المفكرين الأساسيين الذين قاموا بمناقشة المفهوم- مثلاً، ليزلي فيدلر، تشارلز جنكس، جان فرانسوا ليوتار، برنارد سميث، وروزاليند كراوس، وفريدريك جيمسون، ومارجوري برلوف، وليندا هتشيون، وأنا- في غرفة واحدة، وأغلقتها، ثم طوحت بالمفتاح بعيداً، فلن تحظى بأي اتفاق بعد أسبوع، كل ما يمكن أن تحظى به مجرد خيط رفيع من الدم تحت عقب الباب».
لاحظتُ أن كتابته أيضاً، عن ما بعد الحداثة، ما هي إلا تمثلات للاتجاه ما بعد الحداثي نفسه، وليست نقداً، لا يكتب إيهاب حسن بوصفه ناقداً، وإنما بوصفه مبدعاً، شاعراً، أو قاصاً، أو بوصفه شيئاً غير قابل للتحديد.  
ففي الكتابِ نفسه- تحولات الخطاب النقدي لما بعد الحداثة» يقول ثمة اتجاهان مركزيان تكوينيان في ما بعد الحداثة يشير إليهما بمصطلحه «تأصل اللا محدد» الاتجاه الأول يتمثل بمصطلح «عدم التحديد» والآخر هو «التأصل»، ويريد باللا تحديد أو «المبهمات» مدلولاً مركباً يمكن لمفاهيم مثل «الغموض، الانقطاع، عدم الاستمرارية، الابتداع، التعددية، الاعتباطية، التمرّد، الانحراف، التشويه» ويقول تنضوي تحت المفهوم الأخير وحده مصطلحات شائعة مثل «اللا إبداع، التفسخ، التفكيك، الإزاحة عن المركز، الإحلال، الاختلاف، الانقطاع، الفصل، الاختفاء، التحلل، اللا تعريف، تعرية الغموض، ضد الكليانية، ضد الشرعنة أو التقنين.
ناهيك عن مفردات أكثر تقنية تشير إلى بلاغة التهكم أو السخرية، والقطيعة، والصمت، وتتخلل كل هذه العلامات إرادة ضخمة للهدم والتدمير تشمل الجسد السياسي، والجسد المعرفي، والجسد الشهواني، والروح الفردية، ونطاق الخطاب
الغربي كله».  
أما «التأصل» فإنه يشير به إلى الاتجاه الثاني لما بعد الحداثة، وهو يستخدم المصطلح للإشارة كما يقول إلى قدرة العقل على تعميم نفسه في رموز والغوص أكثر وأكثر في الطبيعة، والتأثير على ذاته عبر تجريداته الخاصة. ثم يستشهد بقولٍ لجيوفري هارتمان ينص على أنَّ «النقد المعاصر يهدف إلى هرمنيوطيقا عدم التحديد».

(4)
أما في كتابه «نارُ بروميثيوس» فإنه يعالجُ ثلاثة موضوعات من وجهة نظر ما بعد حداثية، معالجةً بعيدة كل البعد عن الموضوعية، وإذا صحَّ التعبير فإنها ليست ممارسة استشرافية، بل هي ممارسة غارقة تماماً في تيار ما بعد الحداثة، يقول إيهاب حسن في الكتاب نفسه».. إن الأطر غير المنظورة تشكِّلُ إجراءاتنا أثناء القراءة، أو التفكير أو الحلم في الفضاء اللفظي لهذه الصفحات».
إذ لا تخلو الكتابة عند ايهاب حسن، أو عنه، من الخطورة، والتيه.
فقد عاشَ حياةً حافلةً بالتحولات، حياة يصعب الإحاطة بكل جوانبها، وبتعبيرٍ ما بعد حداثي: عاشَ حياةً يصعب تحديدها.
وفي ما يخص سيرته الذاتية، يعترف في أكثر من حوار معه، أن ولادته في مصر لم تكن إلا صدفة، ولم تقرر مصيره، لكنها صدفة لم تخلُ من أحداث وأيام وذاكرة، يميل إلى الكتابة عنها لا بوصفها سيرة ذاتية، وإنما بوصفها مذكرات، لأنه يفرِّق بينَ الاثنين، فالسيرة تحاول سردَ حياةٍ كاملة، من دون أن تنجح في ذلك، في حين أن المذكرات، يمكن أن تنجح، إذا حالفها الحظ في وصف شذرة من الحياة.