مكفوفون بصيرتهم أقوى من المبصرين

اسرة ومجتمع 2019/04/28
...

بغداد / شذى الجنابي
 
 
“الإعاقة في الفكر وليست في البصر” أثبتت مجموعة من طلبة معهد النور للاعاقات البصرية أنهم قادرون على تطبيق هذه المقولة على أرض الواقع، واستطاعوا بالصبر والتحدي ان يحققوا الكثير من الانجازات والإبداعات بفضل الله، ثم بفضل قدرتهم المتميزة على التعلم من خلال حواس أخرى غير البصر، منهم موهوبون بالرسم وآخرون مبدعون في حفظ كتاب الله وتجويده الذي يتقدم على جميع المواهب الاخرى، ونظراً للتقصير الحكومي معهم في بعض الجوانب، استطاع القائمون على رعايتهم بالمعهد  تقديم الدعم والاهتمام بهم وتعليمهم.المعهد الأم
تقول مديرة معهد النور للاعاقات البصرية اسراء جعفر صادق، الحاصلة على شهادة ماجستير في علوم اطفال التوحد: {تأسس المعهد عام 1949 في بغداد والتابع الى مجلس محافظة بغداد، ويعتبر الام لاربعة معاهد اخرى للمكفوفين موزعة بين محافظات الموصل والبصرة والديوانية، وجميع طلبتنا هم من العاصمة بغداد واطرافها، ويضم الطلاب المكفوفين وضعاف البصر وتدرس فيه المناهج المتبعة في وزارة التربية بطريقة قراءة خاصة بالمكفوفين تسمى (برايل)، وتبدأ الدراسة فيه من الصف الاول الابتدائي حتى الصف السادس الابتدائي، علماً بانه يقدم خدمات تأهيلية كالتدريب على الموسيقى ، وقسم تعليم الطباعة، وتوجد مكتبة قصصية للأطفال المكفوفين مكتوبة بلغة (برايل) تضم عدداً كبيراً من القصص لتساعدهم في تطوير مهاراتهم في القراءة، وحاسة اللمس هي الوسيلة لتعليم الطلبة ، فالبعض منهم  يتميزون بقوة هذه الحاسة والبعض الاخر بضعفها، لذا يتم التركيزعلى تقوية هذه الحاسة.  اما الطاقة الاستيعابية للمعهد  فهي 150 طالباً من كلا الجنسين، والعدد الكلي الحالي يبلغ 120 طالباً، ويضم قسم البحث الاجتماعي المعني بمتابعة احوال الطلبة المكفوفين مع اولياء امورهم على مدار سنوات الدراسة، مع توفير القسم الداخلي لايواء طلبة المحافظات ممن يتعذر وصولهم اليه بسبب الاعاقة والظروف المعيشية الصعبة. ويشترط في المتقدم أن تكون حدة الإبصار لديه أقل من (60,6) أو عدم تحسس الضوء (العمى الكلي)، وأكمل السادسة ولم يتجاوز العاشرة من العمر، ، ويكون سالماً من الأمراض الانتقالية وحاصلاً على شهادات التلقيح المطلوبة».
 
توفير بيئة تعليميَّة
تم افتتاح الصف الأول المتوسط لكلا الجنسين ،بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني (برتيش كانسل ) ويضم 10 طلاب من المكفوفين ،واقيمت دورات ضمن برنامج بناء القدرات وداعمة للتعليم الثانوي بغية توفير بيئة تعليمية ملائمة لذوي الإعاقة البصرية تهدف للحيلولة دون تسربهم ولمختلف المراحل الدراسية. والقيام بالتدريب العملي على آخر التقنيات المساعدة لذوي الإعاقة البصرية والمتمثلة بطابعة الكترونية حديثة تحول الأشكال المرسومة الى ملموسة، وتساعد جميع الطلبة والأساتذة من ذوي الإعاقة البصرية على تكوين تصور تام عن الأشكال والرسومات والخرائط، ويعتمد اغلب المكفوفين من ذوي القدرة والكفاءة على استخدام الحاسوب الناطق.
واكدت المديرة ؛ على تعليم القراءة والكتابة بلغة “برايل” والرياضيات بطريقة “اباكوس” ،كما ان المناهج الدراسية هي المناهج نفسها التي تدرس في المدارس الابتدائية في وزارة التربية،  ويشارك طلبتنا في اداء الامتحانات الوزارية من كل عام وحصلوا على نسبة نجاح 100%، ويشترك طلبتنا بالأنشطة الفنية والرياضية ومهرجانات الشعر والخطابة التي تقام سنوياً،  كما يستقبل معهدنا المكفوفين من بغداد واطرافها ، ولدينا قسم داخلي لاسكان الطلبة وتوفير احتياجاتهم من وجبات الاكل والمنام ، ولدينا تدريسيون ما بين مبصر وكفيف متخصصون بتدريس المكفوفين، منهم حاصلون على البكالوريوس والدبلوم، فضلا ًعن وجود ملاكات مدربة على التعليم بطريقة (برايل والأباكوس)، واكمل الكثير من طلبتنا دراستهم في الجامعات والبعض الاخر اكمل الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه.
 
مشاكل ومعوقات
وبينت المديرة  ان هناك مشاكل تتعلق بعزل الكفيف وعدم دمجه في المجتمع، وشحة الوسائل الخاصة بالمكفوفين كونها غالية الثمن، وعدم حصول الخريجين الجامعيين على وظائف مناسبة من أكبر التحديات التي تواجهها تلك الشريحة.وأوضحت هناك معاناة اخرى، تتمثل بعدم وجود منهاج دراسي بطريقة(برايل) لطلبتنا بالوقت الحالي ، بالرغم من توفير الكتب الخاصة بمناهج الدراسة الابتدائية التي تدرس  في مدارس وزارة التربية ، والمشكلة تكمن بصعوبة تحويل المنهاج بالطابعة الخاصة بطريقة برايل لاننا نملك واحدة منها فقط بسبب غلاء ثمنها والبالغ 6 آلاف دولار.، ونضطر الى تحويل المنهاج الى برنامج (الوورد) ، وثم كتابة الكلمات بالحركات ويفترض ان تكون قبل الحرف بالطابعة، وبالتالي تحويل أي نص إلى طريقة «برايل» وطبعه على ورق خاص يستخدمه المكفوفون لمتابعة المنهاج الدراسي، ودعت مديرة المعهد الى مساندة الجهات المسؤولة في توفير أبسط المستلزمات الضرورية .
 كما نبهت الى النظرة الخاطئة بالمجتمع لقدرات وإمكانيات الطالب الكفيف التي تفوق قدرات الطالب العادي. كما وصفت المكفوفين (بالجيل المهمل) وطالبت بإنشاء معاهد واقسام في الجامعات العراقية تختص بطرق تدريس المكفوفين وكيفية التعامل معهم، كما يحدث في العديد من الدول العربية والغربية. ودعت ايضاً الى انشاء ما بين ( 4- 5 )معاهد مماثلة  في جانبي الكرخ والرصافة لاستيعاب اعداد كبيرة من المكفوفين . 
 
أطفال موهوبون
اطفال حرموا من نعمة البصر، ومنحهم الله قدرات أخرى، وطريقة حفظ القرآن الكريم أشبه بالعملية الحسابية، اذ يستخدمون عقولهم وأعينهم وأيديهم لهذه الغاية، فالكفيف يمرر يديه  فوق النقاط البارزة التي تشكل الحروف في مصحف “برايل” وهو (نظام كتابي يساعد المكفوفين على القراءة عن طريق حاسة اللمس). 
الطفل الكفيف (محمد بلال) متفوق في الصف السادس الابتدائي ، وحافظ للقرآن الكريم وتلاوته وهو يقلد صوت الشيخ محمد عبد الصمد، وامنيته ان يصبح قاضياً لنشر العدل بين الناس والدفاع عن المكفوفين.  أما (امير محمد)   في الخامس الابتدائي يجتهد لتحقيق حلمه بالانتقال من المعهد للحصول على مقعد دراسي بإحدى مدارس الدمج الحكومية ويحفظ القرآن الكريم وتلاوته ايضاً، وامنيته بان يصبح لاعباً مشهوراً بكرة القدم، كونه يعشق ممارسة الالعاب الرياضية؛ ويقول ( ليتني ابصر ) لارى المباريات من خلال التلفاز.وتقول الطالبة ( زهراء وسام ) في السادس الابتدائي ؛لم أعتبر حرماني من البصر إعاقة أو نقمة، بل نعمة وهبة من الله، فلو لم أكن كفيفة لما كنت الاولى على جميع السنوات الدراسية السابقة، مشيرة إلى ثقتها بتفوقها الدراسي، وامنيتها ان تصبح معلمة في معهد النور لتدريس الطلبة المكفوفين ومساعدتهم للنجاح والتفوق . وتمنت (نرجس عماد ) احدى خريجات السادس الابتدائي ومن الاوائل في المعهد ؛ أن تكمل تعليمها الجامعي، وتتخصص في علم النفس لتتمكن من مساعدة المحتاجين، وذوي الإعاقات، والوقوف إلى جانبهم وإرشادهم إلى الطرق البديلة التي تتناسب مع ظروفهم الخاصة، ليندمجوا في المجتمع ويكونوا فاعلين في مجالهم .
 
دمج المكفوفين مع المبصرين
اكدت المديرة ؛على ضرورة دمج المكفوفين منذ الصغر مع أقرانهم بما يحقق لهم اندماجاً  في المجتمع ويوفر مستقبلاً فرصة للمشاركة في الحياة العملية بشكل ايجابي. اذ يختلف المعاق عن الانسان الطبيعي بفقدانه لاحدى حواسه لكن ذلك لا يؤثر في دوره في الحياة، فالكفيف انسان معاق لا يبصر ولكن قد تكون بصيرته اقوى من نور البصر الذي فقده ويستطيع ان يحيا حياة طبيعية كغيره من الناس، لذلك اكدنا على افتتاح الصف الاول المتوسط لهذا العام لاستعدادهم لاكمال دراستهم مع المبصرين في المدارس الحكومية.
 
آراء الخريجين
في هذا الجانب استمعنا الى آراء بعض الخريجين خلال تواجدنا في المعهد حول تجربة دمجهم مع المبصرين في المدارس الحكومية؛ اذ طرحت الطالبة الكفيفة (منى علاء) في الصف الخامس الاعدادي واحدى خريجات المعهد رأيها قائلة : أنا سعيدة جداً بوجودي داخل مدرسة تتعلم فيها الطالبات المبصرات، وقد استطعت ان أثبت نفسي بينهن وكونت صداقات عديدة، ويقدمن لي المساعدة في القراءة وفي كل الأمور التي احتاجها، وأرى في وجودي معهن فكرة صائبة لأنها اكسبتني القوة والاعتزاز بالنفس، فأصبحت متفوقة أحصل على المراكز الأولى في المراحل الدراسية . 
  و يشاطرها الرأي شقيقها الطالب (حسين علاء ) في السادس الاعدادي الذي يدرس اصول الدين في المدرسة الاسلامية للامام الاعظم : أنا سعيد في هذه المدرسة وهناك فرق كبير بينها وبين المعهد الخاص بالمكفوفين، وقد لاحظت تغيراً كبيراً على شخصيتي ونفسيتي بالرغم من شعوري بالخوف والحرج في بداية الامر، ولكن بمرور الوقت شعرت بتقبل الجميع من حولي ما أعطاني الشعور بأنني مثلهم أمتلك كل شيء ، معتبراً ادماج الطلبة داخل المدارس فكرة ناجحة جداً خاصة اذا كان الطالب متعاوناً ومجتهداً، ويتعاون معي زملائي واهلي في قراءة المناهج ومتابعتها من قبل الجهازالذي يحتوي على البرنامج الناطق.
 
الشعور بالاكتفاء الذاتي
بينما ترى الباحثة الاجتماعية/ ورئيس ابحاث اقدم/ رضاب عبد الحسين :  ان الهدف الأساسي من إنشاء معاهد المكفوفين هو إعانتهم على كسر الحاجز النفسي بينهم وبين بيئتهم بسبب الصعوبات في عملية النمو والتفاعل الاجتماعي واكتساب المهارات الاجتماعية اللازمة لتحقيق الاستقلال والشعور بالاكتفاء الذاتي ومحاولة دمجهم وإشراكهم في كثير من القضايا والمهام. 
وعن مهامهم اضافت؛  نقوم باستقبال حالات الطلاب أو الطالبات المستجدين ومساعدتهم على تقبل الجو المدرسي بمساعدة زملائهم القدامى لتسهيل عملية التكيف مع أسرة المدرسة ونظامها وبرامجها ، فضلاً عن مساعدة أولياء الأمور على تقبل أوضاع أبنائهم وتفهم قدراتهم واحتياجاتهم وأسلوب معاملتهم وتربيتهم ، والتعرف على الصعوبات التي تواجه الطلاب نتيجة مواجهتهم للاتجاهات السلبية سواء ذاتية أو مدرسية أو أسرية أو بيئية والمتعلقة بالاعاقة ومساعدتهم للتغلب عليها  .  فيما بينت الباحثة ؛في مجال التربية الخاصة بذوي الإعاقة نجد التركيز على العلاج البيئي من خلال العمل مع الأسرة وفقاً لخطة متكاملة كتعديل اتجاهات الأسرة نحو ابنها من ذوي الإعاقة ومساعدتها على تقبله، وبالتالي تساعد الطالب على التكيف مع نفسه وأسرته والمجتمع المدرسي والخارجي، وبالتالي متابعة الاهل للدروس واستماع الام لمحاضرة الطالب من خلال البرنامج الناطق ، فضلاً عن متابعتنا للطفل عند انقطاعه عن الدوام والسبب يعود الى بعد السكن عن المعهد والبعض منهم من المحافظات، كونه الوحيد في بغداد، لذا يجد الاهالي صعوبة في التنقل بشكل يومي بسبب عدم توفير وسائل لنقل الطلبة من والى المعهد، لذلك خصص المعهد قسماً داخليا
ً لايوائهم.