كتاب {مسرح الشارع في العراق}.. دليلٌ شاملٌ عن أعلام وتجارب مسرح الشارع في العراق

ثقافة 2023/07/24
...

 أ. د. عامر صباح المرزوك
صدر مؤخراً عن دار الشؤون الثقافية العامة/ سلسلة الموسوعة الثقافيّة رقم 667، كتاب (مسرح الشارع في العراق) للناقد الدكتور بشار عليوي بواقع (160) صفحة من القطع الصغير، وهو ضمن إصدارات ملتقى بابل الدولي لفنون الشارع بدورته الثالثة، وقد أهداه المؤلف إلى الفنان المرحوم رحيم ماجد، رائد مسرح الشارع في العراق. أن نذهب بالمسرح إلى الناس حيثما يوجدون، تلك هي خصوصية (مسرح الشارع) كممارسة وحضور وتأثير في جمهور الفضاءات العامة، والساحات، والشوارع، والمجال العمومي ككل، ومن هنا تأتي أهمية هذا المسرح الذي يمثل جوهر العملية المسرحية برُمتها وأسمى أهدافها التي وجدت من أجلها.
وَجَدَ مسرح الشارع اهتماماً لافتاً على صعيد العمل المؤسساتي العربي، والفرق الأهلية، والجهود الفرديّة المُضنية للمُشتغلين في هذا المسرح، وقد انتبهت المهرجانات المسرحية الدولية داخل وخارج العراق لمسرح الشارع، فبادرتْ إلى تضمين فعالياتها عدداً من عروضهِ، وإقامة الورش التخصصيّة حوله، لكن ما زال الطريق طويلاً أمام العاملين في المسرح، لوضع موطئ قدم راسخة في المشهد المسرحي العراقي والعربي على حَدٍ سواء.
لقد تعددت توصيفات مسرح الشارع من خلال جُملة من التنظيرات والاسهامات النقديّة في هذا المجال وآليّات تعريفه، فضلاً عن الاختلاف في تحديد البداية الحقيقيّة لهُ في العراق وأهم التجارب العراقيّة في هذا المضمار؛ لذا وجد المؤلف أن ثمةَ حاجة ماسَّة لإصدار مطبوع يُعنى بماهية مسرح الشارع في العراق بشكل عام، يُلُمَّ جميع الفواعل فيهِ، وأهم الاسهامات العراقيّة مع تحديد البداية الحقيقيَّة لمسرح الشارع في العراق على صعيد المُمارسة الفاعلة بما يتوافق مع التوصيف النقدي لهُ، فكانَ هذا الكتاب الذي يأتي استكمالاً لإصدارات المؤلف في مجال مسرح الشارع التي بدأت مع الإصدار الأول الموسوم (مسرح الشارع: حفريات المفهوم والوظيفة والِنتاج) عام 2014م والذي تمحور حول دراسة مسرح الشارع مفاهيمياً مع استعراض لأبرز تجاربهِ عالمياً وعربياً وعراقياً والكتاب في أصلهِ رسالة ماجستير أعدها عام 2013م في كلية الفنون الجميلة/ جامعة بابل، أما الإصدار الثاني فحملَ عنوان (انطولوجيا مسرح الشارع) وهو أبحاث ودراسات لعدد من الباحثين في مجال مسرح الشارع وصدر عام 2019م، والإصدار الثالث تعنون بـ (مسرح الشارع: دراسة ونصوص) وضم عدداً من النصوص التي كُتبتْ خصيصاً لمسرح الشارع وصدر عام 2020م عن ملتقى بابل لمسرح الشارع بدورتهِ الأولى، فيما كانَ الإصدار الرابع بعنوان (موسوعة مسرح الشارع) وصدرَ عام 2022م عن (ملتقى بابل الدولي لفنون الشارع) بدورتهِ الثانية، وتضمنَ عبرَ صفحاتهِ، استعراضاً ببليوغرافياً ومسرداً وتوثيقياً لأبرز الفاعلين والمُشتغلين في مسرح الشارع وإسهاماتهم فيه، مما يوفر قاعدة بيانات عنهم للباحثين والمهتمين بهذا المسرح، اعتماداً على معيار من قدمَ أو شاركَ في أكثر من عرض أو ألّف كتاباً أو لهُ مُساهمة بحثيّة وازنة أو من أسهم في تأسيس مهرجان مسرح في مجال مسرح الشارع.
يأتي هذا الكتاب استكمالاً لذات الجهود البحثيّة التي قدمها الدكتور بشار عليوي ليبحث ويوثق ويدرس مسرح الشارع في العراق مستعرضاً شيئاً عن مفهوم مسرح الشارع، وماهية المسرح في الشارع عراقياً، وتحديد بدايات مسرح الشارع في العراق، واستعراض تجارب عراقية، فضلاً عن أعلام هذا المسرح في العراق مع ذكر لبعض مهرجانات مسرح الشارع العراقية، ومسرد مسرح الشارع بعد التغيير في العراق، فضلا عن استعراض عدد من تجارب عراقية في مسرح الشارع.
تُعد طقوس (مسرح التعزية) التي بدأ العراقيون بممارستها منذ القرن الرابع الهجري حتى يومنا هذا هي واحدةً من بدايات مسرح الشارع في العراق، ولذلك يقول الدكتور كامل مصطفى الشبيبي في كتابه (الصلة بين التصوّف والتشيّع): فأصبح تقليد التعزية عرفاً عراقياً محلياً
خالصاً.
 فطقوس التعزية هي مسرح عراقي محلّي مشى في درب عميق وتطوّر بفعل الإبداع العفوي والمغرض في الوقت نفسه، و(مسرح التعزية) بوصفه مسرح شارع يدعو للتحريض المباشر لما تتضمنه عروضه من محمولات فكريّة كالتضحية في سبيل المعتقدات والدفاع عنها ونشر مبادئ الحق والعدل ومحاربة الظلم والدعوة الى التصدي للطغيان، لذلك تم منع هذا المسرح في العراق لفترات طويلة، ثمة تسليات شعبيّة عامة تقدم مشاهد تمثيليّة فكاهيّة ساخرة في إحدى زوايا المقهى، وقد جاءت التسمية نسبة إلى محل التشخيص وهو مكان التقديم، وفي سبعينيات القرن الماضي ظهرت فرق مسرحية عديدة اهتمت بتقديم عروضها المسرحية حيث يوجد العمال والفلاحون، منها (فرقة المسرح العمالي) و(فرقة المسرح الريفي) اللتان قدمتا عروضهما المسرحية داخل المصانع والقرى والأرياف، ففي أرياف محافظة بابل قُدمت مسرحية (صورة من مزرعة جماعيّة)، ومسرحيّة (جف الكاع) عام 1973م، كما قُدمت عروض مسرحية داخل المقاهي العامة كمسرحية (خواطر بطل جداً) داخل مقهى (أبي سراج) وسط مدينة الحلة في 10/ 2/ 1977م، و(مهد الحضارات) التي قدمت في مقاهي (بغداد الجديدة/ البرلمان/ السعدون) البغدادية عام 1979م، لكن البداية الحقيقيّة لظهور عروض مسرح الشارع في العراق بشكلها المعروف تمثلت بتجربة الفنان (رحيم ماجد)، فهو رائد مسرح الشارع في العراق حينما أسس عام 1969م فرقة مسرحية دعاها بـ (فرقة الفن الثوري) تضمُّ عدداً من زملائهِ الطلبة منهم (رياض الشبلي/عدنان الزيادي/سمير حميد/ مجيد حميد)، وأخذ يُقدّم عدداً من عروض مسرح الشارع في مدينة الدغارة (مدينة تابعة لمحافظة الديوانية العراقية) تحت مظلة شرطي المرور وسط الشارع الرئيسي للمدينة، وهذهِ العروض سبقت عروض مسرح الشارع التي قدمها الفنان سعدي يونس ببغداد، فالمُتابع لمُخرجات التوثيق المسرحي العراقي المواكب للنتاج المسرحي العراقي المُقدم خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن المُنصرم يجداً بوناً شاسعاً ما بين حجم هذا التوثيق، وغزارة الرصد النقدي، والمُتابعة الصحفية المواكبة للنتاج المسرحي داخل العاصمة بغداد، مُقارنةً بالنتاج المسرحي المُقدم في باقي مُدن
العراق.
كما حوى الكتاب مجموعة من أعلام الفنانين المشتغلين بمسرح الشارع في العراق منذ الريادة حتى يومنا هذا، متناولاً حياتهم وأهم التجارب التي تم تقديمها، ومن ثم خُتم الكتاب بمجموعة من عروض مسرح الشارع المعاصرة التي كان لها التأثير الكبير في عرضها ومشاركتها بالمهرجانات المسرحية المختصة
مرفقة بالصور.
أخيراً أتمنى للناقد الدكتور بشَّار عليوي كل التوفيق والتميز، وهو يكرّس جهده بمتابعة ماهية مسرح الشارع في العراق، والعروض التي تختص بمسرح الشارع العراقي والعربي، ليتحفنا بما هو  جديد ومفيد.