ماهية المجتمع المدني

منصة 2023/08/08
...

  حازم رعد


يتعارف في أغلب، المجتمعات المتقدمة أو التي تسعى إلى تثبيت معايير ترسي الديمقراطية وقيم التسامح وحقوق الإنسان، تتوفر تلك التجمعات على وجود طبقات اجتماعية ثلاثة، وهذه الطبقات إذا كانت فاعلة فإنها تشكل أهم أبنية الدولة، وهي: 

1 - طبقة السلطة وتشمل بعد المسؤولين الاتباع والمنتفعين منها واحزاب السلطة، وغالباً ما تحتكر هذه الطبقة اغلب الامتيازات والمكاسب وتثري على نفسها على حساب كل الطبقات. 

2 - طبقة عامة الناس وهي تتكون من جماعات متعددة كادحين وعمالا وفقراء ومحدودي الدخل، ومعلوم أن هذه الطبقة الاكثر ارتكاساً من حيث ضنك العيش وتزايد المعاناة والبؤس، وهذه الطبقة التي تسمى عادةً "بالمجتمع الأهلي"، وهي مجموع الفئات الاجتماعية المختلفة، التي لا يكون لها اسهام واضح في تعزيز حقوق الإنسان أو يكون لها دور في بناء المجتمع المدني ضمن أروقة المجال العام ولا تعتني بالواقع السياسي كقيمة للمواطنة فجل هم هذه الطبقة هو العمل على ايجاد لقمة العيش أو التمتع بالأموال، التي تم الحصول عليها من العمل المجهد.

3 - طبقة المجتمع المدني والتي تتكون من اقتصاديين ووجهاء اجتماعيين وزعماء قبائل واتحادات ونقابات ومنظمات مجتمع مدني "في الدول الديمقراطية والمتحضرة"، وهذه الطبقة لها من الأهمية بمكان بحيث لا يمكن مع وجودها أن تتغول السلطة أو يثري المنتفعون والمستبدون على أنفسهم، لأنهم يخشون من هذه السلطة التي من مسؤولياتها بيان ما يجري في اروقة السلطة لعامة الناس، وهم الحلقة والواسطة بين السلطة والمجتمع، وهذه الطبقة هي من يقع على عاتقها مشاركة الناس همومهم والنظر فيما يوفر لهم سبل العيش والرفاه والمطالبة، وأخذ الحقوق وتحديد الواجبات والاقلال من معاناة العمال والكادحين، من خلال الضغط على السلطة لتشريع قوانين من شأنها رفع الثقل والضنك عن كاهل طبقة عامة الناس، والتي عادةً ما تكون مسحوقة أو شبه 

ذلك. 

في الوضع العراقي تغيب هذه الطبقة الأخيرة، أما قسراً كما فعلت بها حكومات ما بعد 1958 حيث احتكرت لنفسها، وقد قدمت مجموعة تفسيرات للتعريف بماهية المجتمع المدني، وهو الطبقة الأهم في المجتمع وهذه التفسيرات 

كالتالي.

 1 -  هو المجتمع التجاري الرأسمالي الذي يكون فيه المجال الاقتصادي متميز. وهذا هو تفسير المدرستين الالمانية والانكليزية.

2 - هو مجتمع المؤسسات الوسيطة التي تنبثق من التشكيلات الاجتماعية - الاقتصادية وهي طبقات النبلاء وملاك عقاريين واكليروس وصناعيين واهل فكر من ارباب الطبقة الثالثة، وهي مؤسسات تلعب دور الوسيط بين الفرد والدولة وتخلق توازن بينهما.

3 - وهي مقاربة اليكسي دوتوكفيل الذي يرى فيها أن المجتمع المدني هو مجتمع الاتحادات الطوعية غير القرابية (غير القرابية المتحررة من سلطة الوراثة والقرابة) وهي جمعيات حديثة اساسها قانوني ثقافي اقتصادي تحقق التواصل بين الدولة مجتمع الافراد 

الاحرار. 

4 - هو مجتمع المجال العام الذي تسوى فيه المصالح المختلفة ومتابعتها وحمايتها من قبل المؤسسات الثقافية مثل الكنيسة والعائلة والنظام الأبوي، وتعرف هذه المقاربة بالمقاربة الثقافية، وهو مجتمع قرر فيه تدفق المعلومات الحر وقرر توجيه الافراد فيه وتصويب  خياراتهم الحرة وهو مجتمع خطر قد يتعرض في اي لحظة لمحذور الاحتكار والهيمنة .

الآن وبعد أن عرفنا بإيجاز إلى التقسيمات التقليدية للمجتمع، وكذلك تعرفنا إلى ماهية هذا المجتمع المسمى بالمدني، نعرض الآن أهميته من خلال مقاربة خلو الساحة الاجتماعية من نشاط هذا المجتمع وماهي الاثار المترتبة على غياب هذه الطبقة من داخل الوضعية الاجتماعية.

وإذ تعتبر هذه الفئة شبه غائبة داخل طبقات المجتمع وهي التي نصفها احيانا بالطبقي الوسطى، التي قلنا أنها تشكل جبهة من المثقفين والاكاديميين الفاعلين والاتحادات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة ورؤوس الاموال والتجار، الذين يتوفرون على قدرة قراءة واقعهم وامكانية فهم مجريات الاحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والذين بدورهم يشكلون جماعات للضغط على السلطة لإقرار تشريعات معينة تسهم بمنفعة عامة المواطنين، وكذلك تضغط باتجاه ثني السلطات المختلفة عن انتهاج التعسف والاستبداد في فعل السلطة وتعمل هذه الطبقة "المجتمع المدني" على رفد كل برامجيات نشر وترسيخ الوعي السياسي والمدني عند عامة الطبقات، وتعمل على المراجعة النقدية التصحيحية لمختلف طروحات وممارسات السلطة والسياسة في بلد من البلدان . 

خلو الساحة الاجتماعية من هذه الطبقة اعطى المبرر لاستغلال البسطاء من الناس واستثمارهم في خدمة التوجهات الايديولوجية والسياسية المصلحية الضيقة، وكذلك وفر فرصة للاستئثار بالسلطة والمكاسب على حساب الاطراف الاقل احتكاراً لموارد القوة "فما لن تتوفر على نفوذ حكومي ونفوذ مالي فأنت لا تقدر على تحريك السلطة ولا الشارع".

هذه الطبقة تكمن أهميتها في كونها بيضة قبان ترازن معادلة المجتمع السياسي، لذا نجد اهتماماً كبيراً فيها عند بلدان العالم المتقدم، بينما في بلدان العالم المواكب أو المتأخر لا يوليها اهتمام خشية من تضخم نفوذها أو تعضيد دورها أو لأن غيابها يشكل نقطة مهمة في عملية الاستغلال والسيطرة.