لماذا يتضاءل الجليد في {أنتاركتيكا}؟

علوم وتكنلوجيا 2023/08/14
...

 أنتاركتيكا: وكالات


مع ارتفاع درجات الحرارة حتى في عصرٍ اتسم بتسجيل أرقامٍ قياسيَّة مثيرة للقلق على مستوى المناخ، شهد كوكب الأرض عدداً كبير من الظواهر المثيرة للقلق خلال السنة الحالية 2023.

لكنْ وسط المشاهد المروعة التي أحدثتها موجة من الأحوال الجويَّة القاسية في مختلف أنحاء أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية، قد يكون الحدث المناخي العالمي الأكثر إثارة للقلق هو الذي يطغى على المنطقة المحيطة بالقارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا)، إذ وصل تكوين الجليد البحري إلى أدنى مستوى تاريخي له وبهامشٍ كبيرٍ مثيرٍ للدهشة.


شتاء شديد القساوة

ويعيش الآن نصف الكرة الجنوبي شتاءً شديدَ القساوة، وتغرق معظم أنحاء "أنتاركتيكا" في الظلام لأشهر عدة، وعادة ما يتوسع الجليد البحري خلالها ليمتد على مساحات شاسعة متاخمة لساحل القارة فوق المحيط المفتوح.

لكنْ هذا العام سجل انخفاضاً كبيراً ومفاجئاً في تمدد الجليد البحري، بحيث فقدت القارة في الوقت الراهن مساحة جليديَّة تفوق في حجمها مساحة غرينلاند.

عالمة المناخ القطبي في مركز "المسح البريطاني للقطب الجنوبي" British Antarctic Survey كارولين هولمز، تصف الوضع بأنه "أكثر من مجرد تحطيم أرقامٍ قياسيَّة، إنه حدث يتجاوز السجلات والتوقعات وهو مشابهٌ للاعب بيسبول يضرب الكرة بعيداً خارج الملعب، فالوضع مختلف حقاً الآن".

وفي الوقت الذي يعدُّ تقلص الكتلة الجليديَّة البحرية في النصف الشمالي من الكوكب مؤشراً مقلقاً لجهة التأثيرات الذي أحدثها البشر في مناخ الأرض لعقود من الزمن، فإنَّ مسألة من نوعٍ مختلفٍ تكشفت في "أنتاركتيكا"، فعلى الرغم من ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية فإنَّ فصول الشتاء في القطب الجنوبي كانت لا تزال تنتج كميات هائلة من الجليد البحري، وفي الواقع ظلت كمية الجليد حول القارة تزداد بشكلٍ طفيفٍ حتى 2015، لكنْ خلال الأعوام السبعة الأخيرة حدث تحولٌ مفاجئٌ في هذا الاتجاه.

وتتابع قائلة "إذا ما ألقينا نظرة على رسم بياني لعام عادي فسنلاحظ ارتفاعاً ملحوظاً في كمية تكوين الجليد التي تتشكل في الفترة الممتدة ما بين (شباط) و(تشرين الثاني)، لا سيما في هذا الوقت من العام".

وتنبه الدكتورة هولمز إلى أنَّ البيانات الراهنة قد لا تكشف بشكل كامل السلوك الطبيعي لمدى امتداد الجليد البحري، وتقول إن "هناك سبباً للاعتقاد من خلال إلقاء نظرة على السجلات البديلة والاستقطاعات والنماذج الأخرى، بأنَّ السجلات لا تقدم صورة كاملة، ومن الطبيعي أن تكون هناك فترات زمنية تصبح فيها مستويات الجليد البحري أقل حجماً".

ونتيجة لذلك لا يمكن للعلماء توجيه أصابع الاتهام بشكل قاطع إلى تغير المناخ الذي تسبب به الإنسان على رغم وجود أدلة قوية تشير إلى أن هذا الجانب يشكل جزءاً رئيساً من الصورة.


ارتفاع مستوى سطح البحر

يتمثل مصدر القلق الواضح للبشر في خطر ارتفاع مستوى سطح البحر، وإذا ما تكرر نمط معزز لفقدان الجليد البحري فقد تكون لذلك تداعيات كبيرة على مليارات الأفراد حول العالم، وقد يكون الجليد البحري طبقة رقيقة نسبياً لكنها تُحْدِثُ تأثيراً عازلاً كبيراً على الأمواج مما يحمي الرفوف الجليدية في القارة القطبية الجنوبية من التفكك والذوبان بسرعة أكبر في البحار الهائجة.

وتعدُّ الجروف الجليدية التي يمكن أن ترتفع فوق البحر بسماكة تصل أحياناً إلى 600 متر امتدادات عائمة للأنهار الجليدية في البر الرئيس للقارة القطبية الجنوبية، ويؤدي التعرض المتزايد للمياه المفتوحة إلى تكسر الجروف الجليدية بوتيرة أسرع، ما يؤدي بدوره إلى تسريع تدفق الأنهار الجليدية إلى البحر، وتالياً إلى ارتفاع مستوى سطح المياه.


بلوغ مستويات حرجة

وقد يسبب استمرار انخفاض الجليد البحري أيضاً تدهوراً في "حلقة التغذية المرتدة"، ما يؤدي إلى مزيد من الاحتباس الحراري العالمي، ذلك أن الانعكاس العالي أو ظاهرة "ألبيدو" albedo [قياس قدرة سطح الماء على عكس ضوء الشمس] لسطح أبيض مغطى بالجليد، يعكس كمية كبيرة من طاقة الشمس إلى الفضاء، فمن دون الجليد يتعرض المحيط المفتوح المظلم الذي يمتص الطاقة مباشرة لأشعة الشمس، ويؤدي ذلك لاحقاً إلى ارتفاع درجة حرارة المحيط مما يزيد إعاقة تكوين الجليد.

قد يكون لفقدان الجليد البحري انعكاسات مدمرة على إحدى أكثر مناطق العالم تنوعاً بيولوجياً، ويضاف إلى ذلك أن تحديات العيش في الظروف القاسية للمحيط الجنوبي تعني أن معظم الأنواع هناك طورت أنماطاً محددة من التكيف تتناسب مع البيئة، ومن شأن التغييرات في توزيع الجليد البحري أن تؤثر في الأنواع البحرية من خلال تغير مستويات الضوء في المحيط وطرق تأثير الملوحة والتبدلات في حركة التيارات على تحريك العناصر الغذائية حول البحر، وكذلك الجليد البحري بوصفه موطناً طبيعياً في حد ذاته. وتعتمد طيور البطريق والفقمات على الجليد البحري، فيما يوفر أيضاً منطقة جذب للصيد بالنسبة إلى حيوانات مائية أخرى مثل الحيتان القاتلة. وفي المقابل يعد الجليد مصدراً رئيساً للكائنات الحية الصغيرة مثل العوالق والـكريليات التي تلعب دوراً رئيساً في السلسلة الغذائية.


ثلاجة الكوكب

من جانبهم حذر علماء من أنَّ القطب الجنوبي بات يتحول من ثلاجة للعالم - ما يحافظ على درجات الحرارة منخفضة - إلى "مبرّد" (مشعاع). وقال البروفيسور مارتن سيغيرت إن قارة القطب الجنوبي "عبارة عن سطح أبيض هائل وواسع تقوم بعمل هائل للكوكب من حيث ارتداد الكثير من الإشعاع الشمسي إلى الفضاء". وقال إن نفس العملية - حيث يذوب الجليد ويكشف عن المحيط - تحدث بالفعل في القطب الشمالي. وقال البروفيسور سيغيرت، عالم الجليد في جامعة إكستر، إن الجليد البحري حول القارة المتجمدة هو حاليا عند أدنى مستوى له منذ أن بدأت الأقمار الصناعية في رصده في عام 1979، ويتجاوز الحد الأدنى القياسي السابق المسجل العام الماضي.

وقال سيغيرت: "أعتقد أن المجتمع العلمي أصيب بصدمة بسبب افتقار هذا الموسم للجليد البحري، وهو أقل بكثير مما حدث في السنوات السابقة".