تداخل الفنون بتأثيرات ثقافيَّة

ثقافة 2023/08/21
...

 بغداد: نوارة محمد

كريم شغيدل شاعر وباحث أكاديمي، وصحافي دوره في الجانب الأكاديمي في النقد والشعر لا يقل عن أهمية عن الصحافة والإعلام، إذ برز اسمه في العمود الصحفي الاسبوعي منذ عام 2007، وعمل كمحرر في الصفحات السياسية في العديد من الصحف والمجلات، وعن كتابه (قراءة وحساب) فاز الجائزة الأولى لمسابقة حسب الشيخ جعفر  عام 1995. وجائزة الثالثة لمسابقة يوسف العاني للنصوص المسرحية
عن مسرحية (المألمة) 1996.
مكتبة الصباح تقف عند فكرة كتاب الدكتور كريم شغيدل التي تتخلص بحديثه: بعد مرور ربع قرن على إنجازي لمشروع تداخل الفنون في القصيدة العراقية أو (الشعر والفنون/ دراسة في أنماط التداخل)، الذي نشر في طبعتين محدودتي التوزيع، وازدياد الطلب عليه من الباحثين والنقاد والشعراء والمهتمين، ستصدر هذه المرة طبعة جديدة مزيدة ومنقحة، لا سيما أن الطبعتين السابقتين تعرضا للكثير من الأخطاء الطباعية.
ومن المفارقات في هذه الدراسة التي كانت في الأصل رسالتي في نيل شهادة الماجستير، أنَّ بعض الشعراء فوجئ ولم يصدق بأنني تناولت تجربته في مرحلة كان يعد فيها ذكر اسمه جريمة، فشعراء مثل سعدي يوسف وجليل حيدر وفاضل العزاوي وفوزي كريم وصادق الصائغ ونبيل ياسين وهاشم شفيق وزاهر الجيزاني وكمال سبتي ومحمد مظلوم ووسام هاشم ومحمد تركي النصار ونصيف الناصري وعلي عبد الأمير وعلي الشلاه وعبد الرزاق الربيعي وغيرهم، كانوا مقيمين خارج العراق، وكان ينظر إليهم بمثابة جبهة مناهضة للنظام السابق، كلاً بحسب توجهه ورؤيته وانتمائه، سواء من كان ينتمي فعلياً لجهة تجهر بمعارضتها، أم بقي على انتمائه اليساري السابق، على الرغم من تضييق الخناق عليهم عربياً، بل إن النظام آنذاك نشر مجموعة قوائم في صحيفة (بابل)، التي يرأس تحريرها الابن الأكبر لرئيس النظام بأسماء من أطلق عليهم الأدباء الخونة، لكن كيف للباحث أن يستبعد أولئك الشعراء وهو يروم الإحاطة بظاهرة متسعة ومفتوحة ومعنية بتطور شكل القصيدة؟! وكانت حججي، كما يضيف: حين تعرضت للمساءلة بسبب وشاية أحد الأساتذة، بأنني أدرس الشكل وليس المضمون، وليس من الموضوعية والأمانة أن أستبعد شعراء كثيرين أسهموا فعلياً بالتطور التاريخي لشكل القصيدة العراقية.
لقد أفاد من هذه الدراسة الكثير من النقاد والباحثين، ما لم نقل تمت محاكاتها واتباع خطواتها حرفياً في عشرات رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه التي تناولت شاعراً واحداً أنموذجاً ووظفت إجراءاتنا ذاتها على تجربته، وقد أشار بعض المهتمين إلى كونها دراسة ثقافية مبكرة، فهي دراسة سيميائية قبل كل شيء، والسيمياء حقل من حقول الدراسات الثقافية، ونجد أنَّ التنافذ بين الشعر والفنون الأخرى لم ينجز لمجرد المغايرة أو التجريب.
كما ويتابع: بل كانت وراء ذلك سياقات ثقافية شكلت حاضنة للتنافذ، تناولتها الدراسة، بمعنى آخر إنَّني بحثت في السياقات الثقافية التي أنتجت ظاهرة تداخل الفنون بتأثيرات ثقافية وبقصديات فنية ورؤيوية مع الشعر.
ويؤكد: اعتنيت في هذه الدراسة عناية خاصة بمجال تداخل القصيدة مع الفنون التشكيلية، وذلك لمواجهة إهمال النقد لموضوعة الفضاء النصي مع اعترافه بكون الكتابة نصاً سيميائيا، وإهماله للشعر التجريبي في محاولة خلق قصيدة بصرية، بحكم التحولات الثقافية للتواصل، وإذا كانت بعض الدراسات قد أحاطت بالمجال الصوري أو مجال الإفادة من تقنيات التشكيل في البناء النصي، فإنَّ العناصر المشكلة لفضاء النص ما زالت في عداد القيمة الثانوية أو الهامشية، لذا كان لزاما أن نفرد فصلاً كاملاً للإحاطة بالمستويات المختلفة للتداخل في مجال الفن التشكيلي، وأن نفرد فصلاً كاملاً لمجال السَّرد لتعدد عناصره من جهة وانتشار مظاهره على عموم المنجز الشعري العراقي من جهة أخرى، عبر مراحله المختلفة وبكثرة لا يدانيه فيها أي نوع من أنواع التداخل، وحيث اهتم الفصل الأول بما هو بصري، واهتم الفصل الثاني بما هو بنائي لغوي، كان علينا أن نجمع في الفصل الثالث ما هو تركيبي ـ لغوي، وما هو سمعي وما هو بصري، وعذرنا أنَّ التداخل في مجال الدراما الذي يقع ضمن مجال فنون السَّرد كان موضع اهتمام من لدن الدارسين، وأنَّه أقل انتشاراً بالنسبة للسَّرد عموما، وأنَّ الموسيقى والسينما لم يؤشرا سوى مظاهر محددة أبرزتها تجربة التكرار والإفادة من أساليب الغناء في ما يخص الموسيقى، أما ما يتعلق بالسينما فنرى أنها أفادت من الشعر أكثر مما أفاد منها، وهي من أقل المجالات تداخلاً في القصيدة، وقد قدمنا لهذه الفصول الثلاثة بتمهيد موجز أثرنا من خلاله عدداً من القضايا التي تهم موضوعة التداخل، وأعقبناها بخاتمة مركزة أقرب إلى الخلاصة الاستنتاجية للبحث، ثم قائمة المصادر والمراجع، وقد أضفنا ملحقاً بالصور التي كانت جزءاً من مفردات البحث لا سيَّما في الفصل الأول.
نأمل أن يكون الكتاب حاضراً في معرض بغداد المقبل.