صناديق تمويل الخدمات

اقتصادية 2023/09/09
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي

الصحة والتعليم والماء والصرف الصحي والكهرباء ويلحق بها السكن تعد من الأولويات، لكونها تمثل الحاجات الأساسيَّة للإنسان، بعد الغذاء والأمن، ولأنها كذلك، فإنَّ الأنظمة السياسية والحكومات توليها اهتمامها الأول، وتبحث عن أفضل السبل لتأمين تلك الاحتياجات، ومعلوم أنَّ هذه المتطلبات ينبغي أن تتوافر على الاستدامة، لأنَّ أيَّ خلل من شأنه أن يخلق حالة من الارتباك، ففي دول معروفة باستقرارها الاقتصادي والسياسي والأمني، وتعد من البلدان القوية، انقطع في بعض مدنها التيار الكهربائي نتيجة ظروف طارئة، شهدت تلك المدن فوضى عارمة، إذ عمّ فيها النهب والتجاوزات على الغير، فلنا أن نتصور المشهد لو توقفت مثل هذه الخدمات، أو اتسعت فجوتها في أيِّ بلد من البلدان؟!
لهذا فإنَّ ضمان توفير وديمومة هذه المتطلبات، يتطلب جهوداً مستدامة، تأخذ بنظر الاعتبار الزيادات السكانية، وتأمين التخصيصات المالية، ووضوحاً في الرؤية لنعرف أين نحن وماذا نريد؟، وأن تكون هذه الرؤية بمسارات تنموية، وبمحطات تغطي جميع مراحل حياة الإنسان، من الولادة حتى الشيخوخة، شريطة أن يكون الإنسان جزءاً فاعلاً وأساسياً، من تلك الخطط، والتنفيذ، مروراً بالتمويل!.
وهنا قد يثير مثل هذا الكلام حفيظة الناس، لاسيما في ما يرتبط في جزئية التمويل، في ظلِّ شيوع ثقافة أنَّ على الدولة (الحكومة) أن توفر كلَّ شيء مجاناً من الإبرة إلى الصاروخ، حتى وإن كان الصاروخ باليستياً عابراً للقارات!!، مع الإشارة إلى أنَّ هذه المجانية تسببت بخراب الخدمات، لأنَّ الناس تعاملوا معها (بدون وجع گلب)، وكلما استمرت الدولة بتوفير هذه الخدمات مجاناً تزايدت “كمية” اللا أبالية معها! ووفقاً لهذا المبدأ، فقد غادرت أغلب البلدان “مجانية الخدمات” حتى في الدول التي تحكمها الأنظمة الاشتراكية! وأصبح فيها المواطن شريكاً أساسياً، وبات يحرص عليها كحرصه على ممتلكاته الخاصة.
 ولعلَّ الفكرة التي تبنتها تلك البلدان، هي ذهابها باتجاه إنشاء صناديق تمويل الخدمات الأساسية، على أن تتحمل الحكومة النسبة الأكبر من رصيد هذه الصناديق، فيما تكون هناك مساهمة للناس بنسبة (25 ٪)، وهي نسبة بسيطة مقارنة بحجم وكلفة الخدمات التي يحصل عليها الإنسان، فضلاً عن الضرائب التي يدفعها المواطنون عن استخدامهم الطرق وغيرها، ونتيجة لذلك نجحت تلك البلدان في ضمان استمرارية الخدمات، مع تعامل شديد التقنين، من قبل المواطنين.
وهنا أجد من المناسب التوجه نحو إنشاء صناديق تمويل الخدمات الأساسية، مثل صندوق الضمان الصحي، ليكون مقدمة وتجربة لباقي الصناديق، فإن نجحت هذه التجربة جرى تعميمها على باقي المفاصل، وإن فشلت وقفنا على أسباب الفشل وعالجناها، بنحو يتناسب والحاجة إلى التمويل، ومستوى الخدمات التي يحتاجها المواطن، من دون أن ننسى الشراكة مع القطاع الخاص، في تمويل هذه الصناديق، التي تغطي مفاصل الصحة والتعليم، والسكن، شريطة ضمان صيانة مثل هذه الأصول، وضمان كلف تشغيلها.