عصام كاظم جري
تحمل مفردة "النهضة" في طياتها مسميات عدة منها التّنوير، أو اليقظة، أو التغيير.... إلخ، ولهذه المفردة دورٌ بالغ الأهمية في تنشئة الإنسان وانتشاله حينما يتعرض للضّعف والخذلان والانكسار، وتسهم النهضة في بث روح الهوية الثقافيّة والعلميّة والاجتماعيّة والفنيّة والأدبيّة، فضلا عن الرياضيّة والدينيّة وغيرها. يقينا أن كل نهضة هي ثورة، وكل ثورة هي نهضة بأفعالها وشعاراتها التي تنادي بالحرية وتطالب بتحقيق العدالة والمساواة،
ومن أبرز سِمات النّهضة، مراحل تأسيس الصّحف والمجلات والعلوم بمختلف أنواعها، ولا ننسى الالتفات لإنشاء مشاريع اقتصاديّة وسياحيّة وخدمية، هذه النهضة بمفهومها، أما اليوم فقد صارت وللأسف الشديد مجردة من معناها، عبارة عن شعارات فضفاضة وإعلان مؤقت، يبثه بعض المسؤولين هنا وهناك، لاسيما الذين غاب عنهم مفهوم" النهضة "بالمعنى الفعلي.
ولا يخفى على أحد عند قيام اي نهضة لا بدَّ أن يكون هناك بصيصٌ يبعث الأمل في نفوس الشّعوب المتطلعة، بغية النّهوض الحقيقي بالواقع، ويمكن القول بأنّ النهضة تأتي لتُشكّل قفزة نوعيّة للزمن، الذي أدى إلى تقهقر تطلعات
الإنسان.
وبالعادة تُسهم في رفع المُستوى الفكريّ لدى الشّعوب،وهذا هو أحد أهم نتائجها، وتجتمع عدّة عوامل لقيام النّهضة: منها العوامل الداخليّة والدعوة إلى التّغيير في أسس الحياة، وتحديدا في عمق الداخل. وتتيح النهضة فرصة العمل على المُنافسة في مجالات التّقدم العلميّ والفنيّ والثقافيّ والاجتماعيّ والسياسيّ، والدينيّ والرياضيّ والإعلاميّ أيضا. فضلا عن إتاحة الفرصة للبعثات الدّراسية، بغية تنشيط الحركة التعليميّة والثقافيّة والفنيّة.. إلخ، وما عدا هذا، فالنهضة ليست سوى غيمة صيف أو بالونات سياسيّة أو فقاعة أو مفردة، يراد منها المزايدة من أجل غنيمة ما. ولا ننسى كيف اشتغل الغرب على مفهوم النهضة؟ ولعلّ فكرة "الاستشراق" والتّعمق في دراسة لغة الشّرق، وعلومه وتاريخه، وآثاره، وحضارته.
وبالنهضة نستشف
الاعتزاز بالروح الوطنيّة والعمل على تعزيزها وترسيخها، وكذلك التَّلهف والسعي في طلب المعرفة والاندفاع للإفادة منها والبحث عنها. واستطيع القول إن الدّفاع عن الهويّة الذاتيَّة والحفاظ عليها نهضة، والدّفاع عن هويّة الأمة والحفاظ عليها من الاندثار والتّمسك بها نهضة أخرى، ويبقى بناء الإنسان من بناء الكون بالمجمل، وتعدُّ طباعة الكتب، وإنشاء المكتبات وعلم التّرجمة، وتأسس الجامعات والمعاهد والمدارس من عوامل النهضة، التي ترفع من شأن الإنسان، سواء أكانت هذه النهضة أدبيّة أو علميّة أو فنيّة أو ثقافيّة
عامة.
لقد علّمت هذه العوامل أجيالا شاسعة من المعرفيات الشاملة وما تحتويه من مخزونٍ لغوي وكتابةٍ متنوعةٍ وقراءةٍ مغايرة واكتشافات عدّة وفائضة، فضلا عن الإطلاع على المعارف والعلوم الأخرى، وتُسهم النهضة في طلاقة اللسان واتساع المخيلة والمدارك، وفتح أفق المسارات، حتى يكتسب الإنسان الخبرة والتّمرس بالمعارف اليومية والعامة.
وتعمل على ربط حصيلة كبيرة من الموروث المعرفيّ الشعبيّ والعلميّ بمجالات الحياة، وقد يحقق الإنسان بالنهضة الإعداد للتخطيط والتنسيق والأبنية، والحديث والحوار في أغلب الموضوعات.
لذلك من هنا لا بدّ من العمل على بناء الإنسان أولا فهو اللبنة الأولى للمشاركة في المنظومة العالميّة، ويعدُّ أحدَ أهم الطرق في خلق أنموذجٍ مثالي للتنمية الإنسانيّة والمعرفيّة، عبر التّربية الصحيحة التي تُعنى بتنمية العقليّة للوصول إلى الدرجة المثلى، ولبلوغ هذه الغاية لا بدَّ أن تتعاضد شتى العوامل المختلفة، التي تلعب دورًا أساسيًّا في استدامتها.