جواد علي كسار
السيرة ومحورها حياة النبي ومبعثه ومواقفه وأقواله ومكاتباته ورسائله وغزواته؛ هي علم من أعرق العلوم عند المسلمين وأكثرها غزارةً وثراءً.
لقد انطلقت في حياة النبي بادئ الأمر وغلب عليها الطابع الشفوي، خلال رسائل ومدوّنات بسيطة.
لكن ما لبثت أن تطوّرت وهي تكتسب على مرّ السنين والقرون تراكماً في المضمون وتنوّعاً في المناهج، ولم تزل كذلك إلى يومنا هذا، وإلى ما بعده.
بدأت وهي موزّعة بين حقول لكي تستوعب حياة النبي إلى مبعثه، ثمّ مرحلة البعثة والدعوة والغزوات، ثمّ برزت مرحلة الدلائل لتستوعب معجزاته وتغطي كلّ ما يُثار في كلّ عصر من شبهات وأسئلة واستفهامات عن النبوّة كمفهوم عام، وعن النبوة الخاصة متمثلة بنبوّة نبيّنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، كما وصل بها التطوّر إلى تصنيف جديد يتناول أحوال النبي وشمائله وخصائصه وهكذا، لتكون حصيلتها في الاصطلاح عند بعض الباحثين، هي: السيرة، والمغازي، والدلائل والأحوال.
بدأت السيرة وصفيَّة سرديَّة إخباريَّة، قبل أن تتحوّل في القرن الأخير إلى سيرة تحليلية، ثمّ تحليلية نقدية، لتغذّي بالعلم والبصيرة عقل الإنسان، وتزيح جانباً ما قد شاب هذا الحقل من المعرفة على مرّ القرون.
ما يكشف عن الثراء الباذخ والامتداد العريض لمدوّنات السيرة على اختلاف حقولها، هو كثرة المعاجم التي رصدت هذه المدوّنات وأرّخت لها ووثّقتها.
ومع أن في هذه المكتبة الكثير مما هو جدير بالقراءة، لكني أكتفي بالإشارة إلى واحدٍ منها، يؤمّن في محتواه ومنهجه وأسلوبه ومعلوماته، حاجة المسلم المعاصر إلى معرفة نبيّه والتواصل مع حياته وسيرته، هو كتاب: «سيرة المصطفى: نظرة جديدة» للسيد هاشم معروف الحسني.
قد لا أُبالغ إذا قلتُ إن هذا الكتاب استطاع أن يقدّم خلاصة وافية لحياة سيّد المرسلين وسيرته، بأسلوب جذّاب موحي، يتوكأ على المعرفة ومنهج البحث التأريخي، وهو يحيل إلى عشرات المصادر.
كما حرص على أن يقدّم في مدخله رؤية معتدلة عن واقع العرب في الجزيرة وأطرافها قبل البعثة، تخرج إلى حدّ بعيد عن حدّي التطرّف.
بيدَ أن الأهمّ من ذلك، هو عصرية المحاولة وهي تحرص على أن تقرأ في السيرة، مقاصد الإنسان في العدل والحرية، وتتحرّى في الرسالة ما يشدّ المسلمين إلى السماء كما إلى الأرض وخيراتها في آنٍ واحد.