اضطرابُ الهويَّة الانشطاري

منصة 2023/10/19
...

الصفة أو العرض الرئيس في هذا الاضطراب هو أنَّ الفرد يعيشُ بشخصيتين أو أكثر، وإنَّ هذه الشخصيات قد تكون على دراية ببعضها البعض أو قد تكون في حالة فقدان الذاكرة النفسي.

كان هذا الاضطراب يُعرفُ في السابق بتعدد الشخصيَّة، وأشهر مثال له هو الفيلم السينمائي «ثلاثة وجوه لحواء»، مثَّلته الممثلة المعروفة في وقتها (Joanne Woodward) عن حالة واقعيَّة لفتاة اسمها (Sybil).

الغريب أنَّ الفرد في هذا النوع من الاضطراب، يملكُ في الأقل هويتين أو شخصيتين مميزتين (وقد يصل العدد الى العشرات والمئات) لكل واحدة أسلوبها الخاص بها في السلوك والإدراك والتفكير والتاريخ الشخصي وبالصورة التي تحملها عن ذاتها، وتعابير الوجه والتحديق، وطريقة الكلام وعلاقاتها بالآخرين، وقد تكون بعمرٍ مختلفٍ، وجنسٍ وحتى باستجابات فسيولوجيَّة مختلفة.

وللإيضاح فإنَّ ما يحدث في هذا الاضطراب (الفانتازي)، الذي لا يزال يثير الجدل ويرى فيه البعض أنَّه نوعٌ من التمثيل أو التزييف يقومُ به من يرتكب عملاً يخالف القانون ليتخلص من المساءلة، أنَّ الشخصيَّة الأصليَّة أو المضيفة يحلُّ أو ينزلُ عندها ضيوفٌ هي الشخصيات البديلة. 

فإذا كانت هنالك شخصيتان في الفرد (الأصليَّة والضيفة) فإنَّهما تتناوبان السيطرة. 

والمثال الكلاسيكي على ذلك هو رواية ستيفنسن الموسومة: (دكتور جيكل ومستر هايد) “المحولة الى فيلمٍ سينمائي”، إذ يمارس الدكتور جيكل في النهار عمله الاعتيادي كطبيب، بينما يتحول في الليل الى مجرمٍ سفاحٍ باسم هايد.

واللافت أنَّ الشخصيات البديلة غالباً ما تكون على ثلاثة أنواع:الأول: يظهر عند الأطفال، وتأخذ الشخصيَّة البديلة هنا دور الأخ الأكبر أو الأخت الكبرى التي تقوم بمهمة حماية الشخصيَّة الأصليَّة من الصدمات.

وعندما تكون الشخصيَّة البديلة للطفل هي المسيطرة أو خارج سيطرة سلوك الفرد، فإنَّ الأخ الأكبر أو الأخت الكبرى يتكلم ويتصرف بطريقة مشابهة لسلوك الطفل.

النوع الثاني: هو الشخصيَّة الاضطهاديَّة، وفيه تقوم الشخصيَّة أو الشخصيات البديلة بإيقاع الأذى أو العقوبة بالشخصيات الأخرى، سواء بالحرق أو الإيذاء الجسدي، وحتى محاولات الانتحار. 

وقد تقوم بأعمالٍ أخطر مثل القفز أمام شاحنة ثم العودة الى الرصيف، وكأنها بهذه العمليَّة الدراميَّة تريد إيذاء الشخصيَّة الأصليَّة أو التخلص منها من دون إيقاع الأذى بنفسها!.

فاعتقاد الشخصيَّة المضطهدة هو أنها تستطيع أنْ تؤذي الشخصيَّة الأصليَّة من دون أنْ تؤذي نفسها، وهو اعتقادٌ خاطئٌ بالطبع، لأنَّ كلا الشخصيتين هما في شخصٍ واحد.

أما النوع الثالث: فيأخذ نمط الشخصيَّة المساعدة، تكون وظيفتها هي تقديم النصيحة للشخصيات الأخرى، أو تقوم بالأعمال التي لا تستطيع الشخصيَّة الأصليَّة إنجازها.

إنَّ هذا الاضطراب أو المرض العقلي موجودٌ في كل المجتمعات، إلا أنَّ طريقة التعامل مع المصاب به تختلف من مجتمعٍ الى آخر، وما نرجوه من العراقيين ألا يسخروا من المصاب به ويصفونه (خبالو.. مجنون)، وألا نعزو إصابته الى أنَّه (راكبه جنّي) ونأخذه الى (شيخ) يجلده (حتى يطلع الجني)، بل علينا أنْ نذهب به الى مستشفى نفسي أو طبيبٍ مختصٍ بالصحة النفسيَّة.