لغتنا وثورة التواصل الاجتماعي

آراء 2023/10/25
...

أ. د. نجاح هادي كبة 


للغة أهمية كبيرة في حياة الشعوب والأفراد، لأنها عامل مؤثر في بناء المجتمع وتوحيده وناقل ثقافي للفكر والتراث، فهي جسرٌ يربط الحاضر بالماضي، فالإهمال اللغوي يؤدي إلى تفكيك المجتمع نفسياً واجتماعياً وسياسياً، كما يشكل الإهمال اللغوي عبئاً ثقيلاً على اقتصاد المجتمع، فالمؤسسات التربويَّة المعنية تنفق أموالاً في وضع المناهج والخطط التربوية، لتلافي الأغلاط اللغوية من خلال المدارس والجامعات المتخصصة، وفي العصر الحديث عصر تطور وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما (سوشيال ميديا) و(العالم الرقمي) كثر الاستخدام المفرط، لتلك الوسائل وازدادت الأغلاط اللغوية في مجتمعنا العربي عامة والعراقي، خاصة ما تنقله وسائل التواصل الاجتماعي من قصص وفيديوهات، إذ تلاقي انتشاراً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما الهواتف الذكية والفيسبوك، وما إلى ذلك فتصل الكثير من الأخبار والمعارف والأفكار إلى المتلقي، وهي مدوّنة بأسلوب عربي هجين، فلا يفرق في كتابتها بين الضاد والظاء ولا التاء الطويلة والقصيرة، ولا الهمزة بأنواعها وفي النحو، فكثير لا تتبع الصفة الموصوف فأقرأ (السفارة العراق)، بدلاً من

(السفارة العراقية)، وفي الضمائر (هي) تكتب (هيا)، وكما أن أدوات النصب والجزم لا تعمل فترد (لم ألتقِي) والصواب ( لم ألتقِ) و(لن يخرجون) والصواب (لن يخرجوا)، والأنكى من ذلك ترد بعض الكلمات مدونة، وهي تختلط على المتلقي بين الإملاء والنحو فترد (بل المدرسة) والصواب (بالمدرسة) ونحو ذلك كثير، ولو جمعت هذه الأغلاط اللغوية، وأشرت من باحث لاستحقت دراسة ماجستير، فالمعلمون في مدارسنا وجامعاتنا يبذلون أقصى الجهد لتعليم الطلبة تجاوز هذه الأغلاط اللغوية، وتخصص لها حصص معينة في الاسبوع في مدارسنا، ولا بد من الاشارة إلى أن اللغة بما فيها اللغة العربيَّة لا تعلم فقط عن طريق إملاءات معلم القواعد على أذهان الطلبة فقط، بل يستقيم تعلمها عن طريق التحدث والكتابة فما قيمة القواعد اللغوية من دون تطبيق عملي؟

فكيف اذا عرف المتلقي تلك القواعد مكتوبة غير سليمة في وسائل التواصل الاجتماعي؟ فاللغة تحتاج في توصيلها إلى بيئة لغوية سليمة، وقد أكد ابن خلدون في المقدمة أن العرب قد رسخت اللغة العربيَّة الفصحى في أذهانهم عن طريق المحاكاة

السليمة بين السلف والخلف، فيكتسبها العربي عن طريق التعلم فيتعلم الجيل اللاحق من الجيل السابق كيفية التحدث والنطق باللغة العربيَّة الفصيحة، فالعرب قديماً أدركوا أهمية التطبيق العملي في الحفاظ على سلامة اللغة العربيَّة الفصحى ولم يلجؤوا إلى التعقيد وتأسيس المدارس اللغوية والنحوية إلا بعد اختلاطهم بالأعاجم في نهاية العصر الأموي، ولا بد من الاشارة أيضاً إلى اأنا يجب أن نفرق بالكتابة والتحدث بين اللغة العربيَّة العاميَّة واللغة العربيَّة الفصيحة، فلكل من العامية والفصيحة شروط في كتابتهما والخلط بينهما أضرار لكلتيهما.