ج. درو لانهام
ترجمة: أحمد رحمن
في هذه الولايات المتحدة الأميركيَّة، إذ تستمر العنصريَّة بصورة لا تُقهر، في أمة لا يمكن لأي منطقة - من جنوب شرق إلى شمال غرب أو أيَّة زاوية بعيدة تمتدُّ عبر ألفي ميلٍ من مروج نبراسكا، وسط افتراض عظمتها، من الغابات الأولمبيَّة المطيرة إلى إيفرغليد فلوريدا وعودتها إلى خضرة فيرمونت، ثم نزولًا إلى جدران الحدود الجنوبيَّة حيث يبقى الحب واللطف بعيدًا، تتقاطع الولايات الخمسين مرارًا وتكرارًا ومرة أخرى - لا تهرب ولاية من اللوم.
كما أنَّ النوبات اليوميَّة مع النزعات تأخذ أثرها سلبًا وكل ما هو خاطئ ويحوي الانتروبيا الاجتماعي يؤدي إلى تآكل الثقة، لذا فإنَّ الطيور تكون علاجًا يخفف أحيانًا من الضغط. الطيور هي الإلهاء الذي يجعل الواقع الإنساني المرير يُحتملُ أكثر. تمنحني الطيور الأمل في شيء يتجاوز ما وراء الكراهية المستمرة وواسعة النطاق التي تأتي على شكل موجات.
أتوقُ للطيور مثل الماء. أشتاقُ للطيورِ كما يشتاق العاشق للنصفِ الآخر. في تلك الأوقات التي لا أستطيع أنْ أشهدَ فيها بشكلٍ مباشرٍ الطيور في بعضِ أماكن البريَّة، على الكتابة أنْ تكون كافية.
الكتابة التي تطلقُ طائر السمان الأبيض من بين أشجار الكتب أو تطلقُ الطيور الجارحة ذوات الذيول المميزة لتطفو وتنزلق في الشعر، هي الغذاء. أنْ تجعل الكلمات الطيور “مَن” بدلاً من “ما” هو قوتي الأدبي (المَنُّ).
عندما أستطيع جلب الهويَّة من الدليل الميداني إلى دليل الشعور وإلى وعي الآخر مثل كائنٍ حيٍ يستحقُ العشق، فالعمل على تلك الجملة أو المقطع أو القصَّة يكون قد انتهى في الوقت الحالي. التصنيف والتسميات ذات الحدين تكون هدفًا أقل أهميَّة من الاتصال بالذات والحفاظ على البيئة.
الطيور التي أراها يوميًا تحلقُ وتطيرُ وتغردُ وتجلسُ وتقفز وتعششُ هي الإلهام لمواصلة الحياة. خارج المهمة “السهلة” لتصنيف كل طائر بناءً على المظهر- من خلال لون الريش، وشكل المنقار، وسرعة الطيران (الصقر سريع أو النسر كسول وبطيء) - أتساءل عما يتجاوز ما أراه.
أسعى إلى هويَّة مشتركة بين الطائر والإنسان. وللقيام بذلك، أقوم عمداً بعدم توضيح الخطوط. ربما أتجاوز بين الأنواع بعض المحرمات المحددة علميًا.
بمشاهدة بعض طيور نقشارةِ الغاب (warbler) وهي تغني، تأتي لذهني تساؤلات عميقة تأخذني مرورًا على النغمة المتصاعدة أو الطنين الهابط.
هل السلوك الذي تعرضه دلالة على حالة صحيَّة؟
هل جودة البيئة مثاليَّة والغذاء وفير؟ هل هناك غطاءٌ للهروب من الافتراس؟
هل هناك فرصٌ لإعادة الإنتاج والتكاثر للاستمرار في الخط الجيني مع الرفيق؟
ما الذي يجعل هذا الفرد يختار أنْ يكون هنا؟ وما الذي قد يجعله يوسع أو يقلل من نطاق وجوده بعيدًا عن هذا الظرف، في هذا المكان بالتحديد؟
أعلم أنا عندما يغرد الطائر الحر، يمكن خداعنا لأننا نعتقد أنَّ كل شيء على ما يرام. الأغنية التي تبدو سعيدة يمكن أنْ تخفي المحن. قد تكون صرخة مسموعة بشكلٍ خاطئٍ لطلب المساعدة.
هل قُطِعَت الأوطانُ؟ هل تم تجفيفها أو تطويرها وتعبيدها؟ هل تسمم الطعام بالملوثات؟ هل هربت الحيوانات المفترسة- قطط المنازل أصبحت وحشيَّة أو الحيوانات الأليفة العائليَّة المحبوبة التي أطلقها أصحابها المهملون لتُذبح وتقتل المليارات منها؟ ربما قد تحطمت أعدادها لمستويات أصبح فيها الاجتماع مع شخصٍ آخر (أو آخرين) للتعشيش عاملاً يحد ومقيدًا ماذا لو كنت أغني عبثًا في الغابةِ الفارغة ولا أحد ليجيب؟
كل هذا يثير محفزاتي الخوارزميَّة للتفكير والكتابة في النهاية عن أكثر من مجرد قضبان الأجنحة أو ومضات الذيل. إذا دفعته بعض قوى العمل البشري إلى مستويات من إصرار الاستمراريَّة المشكوك فيها، أو ما أسوأ من ذلك في حالة التعرض للخطر أو خطر الانقراض، فكيف يمكنها النجاة؟ وما العوامل التي تدفعها لتكون مزدهرة؟ ما التأثيرات والعوامل التي قد تجعلها في نهاية الخط؟ في ذا التساؤل، تقع قضيَّة الحفاظ على البيئة في محنة عامة. العاطفة ترتفعُ للتعاطف.
أنا والطيور لا نتشارك فقط الهواء ذاته، الماء ذاته، والتربة ذاتها، بل أيضًا نكافح ونصارع من أجل البقاء من يوم لآخر. فالبريَّة متوترة. عندما تعيش تلك الأشياء البريَّة في الريح ويمكن دفعها وسحبها عبر نصفي الكرة الأرضيَّة بفعل نزوة الطقس أو قوة الإرادة، فكيف لا أجد الكلمات التي تلفت الانتباه إليها؟
أرى طائرًا. أشاهد ذلك الطائر. أستوعب هذا الطائر بالغالب دون القلق بشأن عدد الطيور الأخرى التي قد أراها أو أكتبها في القائمة.
هذا الطائر هو الطائر الوحيد حتى يأتي الطائر التالي. أتجول في الأماكن: الغابات والتشابكات والسواحل البحريَّة والبراري والمروج المتموجة. أهتم لكيفيَّة تكوّن الطائر. إنَّ إسناد بعض الأسماء إليها - الشحرور بالجناح الأحمر، والفيبيّ الأسود، وطائر الطول المائي ذو العنق الأسود، والنسر الأسود، والنقشارةِ باللونين الأبيض والأسود - نسبياً معظمها تعاريف سهلة بالنسبة لي الآن.
أرى نفسي بطريقة ما في كل واحدٍ منها، أستطيع أنْ أشعرَ بذات بعض الصراعات وأحسدها على قدرتها في الانزلاق وفك المشكلات التي تربطها والعثور على الحريَّة في الهروب. ولذا أكتب حول الطيور. أنا أكتب لأجل الطيور. أكتب للطيور.
أكتبُ القصائد والنثر. أصوغ الكلمات بشكلٍ قصيرٍ على وسائل التواصل الاجتماعي وأكتب المقالات الطويلة. أنقر بإصبعين على خطٍ صغيرٍ في الهاتف المحمول، وما زلت أحيانًا أكتب بخربشة بخط طويل غير مقروء، نص مخدوش غير مقروء متناثر في دفاتر الملاحظات وأجزاء من اليوميات كمسودات قصص وأبيات من الشعر ممزقة. أجمعها كلها وأنسجها وأغلفها حتى تكون هناك قصة يمكنُ أنْ أعششَ فيها.