ميادة سفر
يحملُ تعبير العنف، الكثيرَ من الأشكال والمظاهر ومن أبرزها نوعان مادي ويتمثل بإلحاق الضرر الجسدي بالآخرين وهذا معاقب عليه في القوانين بشكلٍ واضحٍ وصريح، وعنف رمزي يتمُّ بوسائط عدة من بينها اللغة والأفكار والإيديولوجيا، وقد يتمّ من خلال السب والشتم أو تحت مظلة الدين وعبر وسائل الإعلام وغيرها من وسائل تشكل ركيزة لممارسته، وقد عرفّ المفكر الفرنسي بيير بورديو العنف الرمزي بقوله: «هو عبارة عن عنفٍ لطيفٍ عذبٍ وغير محسوس، وغير مرئي لضحاياه».
يرتبطُ العنف الرمزي بروابط وثيقة مع كل من السلطة والمجتمع، ففي حين تمارس الحكومات والدول وأصحاب السلطة العنف الرمزي عبر شبكات من المؤسسات الناطقة باسمها من إعلام وصحافة وفن ودين، ضد الأفراد بإجبارهم على اتباع أنساقٍ محددة أو الانتماء إلى دينٍ أو حزبٍ معينٍ أو تقديم الأخبار والمعلومات من وجهة نظر السلطة فقط، يأتي المجتمع بما يشكله من قاعدة لوعي جماعي ليزيد الخناق على أفراده من خلال ممارسته لأشكالٍ أخرى من العنف الرمزي الذي يبدو أشد خطورة وإيلاماً من العنف المادي، حين يفرض عاداته وتقاليده المتوارثة ويقف في وجه كل من يفكر بتغييرها أو مخالفتها.
العنف الرمزي أخطر أشكال العنف الممارس ضد الأفراد، على اعتبار أنَّه عنفٌ لطيفٌ وغير معترفٍ به كعنفٍ بين أفراد المجتمع، فقد تعّود عليه الأفراد وقبلوا به وأحياناً رغبوا به واستطابوه، طالما أنَّهم يخضعون لوعيٍ جمعيٍ فُرِضَ عليهم وتمَّ من خلاله تكريس جملة من الأفعال والممارسات في حياتهم، لذلك يمكن ملاحظة تقبل الكثيرين لما يُمارسُ عليهم من عنفٍ رمزي وتقبله بلا أيَّة مقاومة أو رفض، ويتعاملون معه كأي فعلٍ عادي أو روتيني يحصلُ معهم.
تعدّ النساء أحد أكثر فئات المجتمع عرضة للعنف الرمزي، من خلال الإهانات اللفظيَّة والكلمات البذيئة التي توجه إليهنَّ أم تستخدم أجسادهنَّ للتعبير عن نقاط إهانة وتحقير لطرفٍ آخر، كما يشكل التهديد بالطلاق والتقليل من شأن المرأة وانتقاص قيمتها ومكانتها أمثلة على ما يمارس عليها من عنفٍ يضاف إلى العنف المادي الذي قد تتعرض عليه من ضرب وقتل واغتصاب.
غالباً ما يستخدم العنف الرمزي اللغة والصور والإشارات بما هي وسائل للتأثير والهيمنة والضغط على أفراد المجتمع، وهنا تكمن خطورته فضلاً عن صعوبة تحديده وقياس درجته وإثباته، فضلاً عن أنَّه غير معاقبٍ عليه في الكثير من القوانين.