كيف نعالج آثار الجرح الأخلاقي؟

منصة 2023/11/15
...

  د. ياسين طرار غند

ربما يجهل العديد من الناس في أن تواجدهم بظروف ضاغطة ومواقف صادمة وخبرات حياتية غير اعتيادية، يجعلهم يخفقون في منع وقوع أحداث تتناقض مع اعتقاداتهم وتوقعاتهم الأخلاقية، وقد يكتفون بمشاهدة وقوعها من دون حراك، برغم ما يعتري تكوينهم النفسي من كرب وضيق واستياء، وربما نفور من الذات لما يمكن تسميته «السلبية الأخلاقية» وإهانة الذات الأخلاقية بالامتناع اللا إرادي عن القيام بفعل تصويبي أو وقائي.
ينشأ الجرْحُ الأخلاقي كرد فعل على حدث صادم، إلا أنه يمثل صدمة أو فجيعة في الذات الأخلاقية، نتيجة خروج الشخص عن المعايير والقيم الأخلاقية ونسق الاعتقادات الإنسانية القيمية. وقد يؤدي الضيق والكرب والاستياء الناتج عن الجرح الأخلاقي إلى ولوج الشخص في دوامات من أعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة، وكذلك للعديد من التداعيات النفسية السلبية، مثل: الاكتئاب، فضلاً عن مشاعر الذنب والخزي والخذلان والفجيعة في الذات والخيانة والغضب، رغم أن هذه الانفعالات قد توجد بدون أن يكون لدى الشخص «كرب ما بعد الصدمة».
الجرح الأخلاقي، هو الضرر الذي يلحق بالضمير أو البوصلة الأخلاقية عندما يرتكب الشخص، أو يشهد، أو حتى يفشل في منع أفعال تتعدى على المعتقدات الأخلاقية أو القيم أو قواعد السلوك الأخلاقية.
في سياق الخدمة العسكرية، لا سيما في ما يتعلق بتجربة الحرب، يشير مصطلح إلى الآثار العاطفية والنفسية والاجتماعية والسلوكية والروحية المستمرة للأفعال، التي تنتهك القيم الأخلاقية الأساسية لعضو الخدمة والتوقعات السلوكية للذات أو للآخرين. يتمحور الأذى الأخلاقي دائمًا مع بُعد الوقت: تتطور الرموز الأخلاقية جنبًا إلى جنب مع الهويات، وتنقل التحولات وجهات النظر التي تشكل استنتاجات جديدة حول الأحداث القديمة.
في حين أن المفهوم في حد ذاته ليس جديدًا - فعلى مر التاريخ، صارع الفلاسفة والشعراء والمحاربون أنفسهم لفترة طويلة مع المعضلات الأخلاقية المتأصلة في الحرب - فإن مصطلح «الجرح الاخلاقي» هو حديث، ويُعتقد أنه نشأ في كتابات حرب فيتنام لناشط السلام المخضرم كاميلو نتيجة لصدمة منطقة الحرب.
 ويوصف الجرح الاخلاقي بأنه اضطراب في ثقة الفرد وتوقعاته حول دافع الفرد أو الآخرين أو قدرته على التصرف بطريقة عادلة وأخلاقية. ومن الأمثلة على الإصابة الأخلاقية في الحرب:
- استخدام القوة المميتة في القتال والتسبب في إيذاء المدنيين أو موتهم عن علم، ولكن من دون بدائل، أو عن طريق الخطأ.
- إصدار أوامر قتالية تؤدي إلى إصابة زميل في الخدمة أو وفاته.
- عدم تقديم المساعدة الطبية لمدني أو عسكري مصاب.
- العودة إلى الوطن من الانتشار والاستماع إلى إعدام المواطنين المحليين المتعاونين.
- عدم الإبلاغ عن علم بارتكاب اعتداء جنسي، أو اغتصاب ضد نفسه، أو ضد زميل في الخدمة، أو ضد المدنيين.
- اتباع أوامر غير قانونية، أو غير أخلاقية، أو مخالفة لقواعد الاشتباك  (ROE)، أو اتفاقية جنيف.
- تغيير في الاعتقاد بضرورة، أو مبرر الحرب أثناء الخدمة أو بعدها.
 ولكن.. ما هي عواقب الإصابة الأخلاقية؟ يمكن أن تؤدي الإصابة الأخلاقية إلى الضيق الشديد والاكتئاب والانتحار. كما ويمكن للضرر المعنوي أن يودي بحياة أولئك الذين يعانون منه، مجازيًا وحرفيًا. فالجرح الأخلاقي يضعف الناس ويمنعهم من العيش حياة كاملة وصحية.
وتتجاوز آثار الجرح الاخلاقي الفرد، ويمكن أن تدمر قدرته على الثقة بالآخرين، مما يؤثر في نظام الأسرة والمجتمع الأكبر. (يجب إحضار الجرح الاخلاقي إلى المجتمع من أجل عملية مشتركة للشفاء).
السؤال، ماذا يجب أن نفعل بخصوص الإصابة الأخلاقية؟ والاجابة تكمن في أنه يجب الاعتراف بالجرح الاخلاقي بالطريقة نفسها، التي نعترف بها بالتكاليف الجسدية والعقلية للصدمات التي نمر بها في الحرب وأماكن الخطر الأخرى. الجرح الأخلاقي شخصي وشخصي. البحث عن الجرح الأخلاقي أصغر من البحث عن اضطراب ما بعد الصدمة. نحن نفضل المبدأ القائل بأن «علاج» الجرح الاخلاقي يجب أن يحدده الفرد وفقًا لمعتقداته واحتياجاته. تشمل منافذ الاعتراف بالجرح الأخلاقي، ومواجهته العلاج بالكلام والحوار الديني والفن والكتابة وحلقات النقاش، والحديث والتجمعات الروحية وغير ذلك.
غالبًا ما يكون المعالجون والمستشارون والأخصائيون الاجتماعيون ورجال الدين في الخطوط الأمامية لمعالجة الجرح الاخلاقي؛ ومع ذلك، يمكن أن يشارك المجتمع الأكبر أيضًا. ضع في اعتبارك أن الجرح الاخلاقي يؤثر ويتأثر بالقواعد الأخلاقية عبر المجتمع. في حالة المحاربين القدامى، تنبع الأذى المعنوي جزئيًا من الشعور بالعزلة عن المجتمع المدني. إذن، الجرح الاخلاقي هو عبء يتحمله عدد قليل جدًا، حتى يدرك «الغرباء» ويهتمون بمشاركته. يمكن أن يكون الاستماع والشهادة على الأذى المعنوي خارج حدود البيئة السريرية وسيلة لكسر الصمت الذي غالبًا ما يحيط بالضرر المعنوي.
علاج الجرْحُ الأخلاقي قد يكون من الصعب على المرضى التشارك في الأحداث المؤذية أو الجارحة أخلاقية، وقد يصعب أيضًا التعبير عنها بصورة مباشرة وصريحة بسبب ما يقترن بها ويترتب علها من مشاعر الذنب والخزي والعار.
من جانب آخر قد يخشى من يعاني من الجرح الأخلاقي كدالة للعوامل المؤدية إليه من توجه المعالج إلى تقييمه والحكم عليه سلبيًا؟ وقد يقول لنفسه سأكون موضع استياء واشمئزاز من قبل المعالج؟ ما أعاني منه أصعب من أن يتعامل معه المعالج؟ وما يقوض مثل هذه المخاوف توجه المعالج النفسي إلى اتخاذ وضعية التقبل وتعليق الأحكام على الشخص؛ وإبداء التواد والتعاطف معه والتفهم له، فضلاً عن الحذر والتنبه الدقيق للافتراض المسبقة عن الحماقات والأخطاء والأفعال غير الأخلاقية، والآداب، والقيمة والأخلاقيات والجوانب الروحية.
وربما يفضي تجذر حالة الجرح الأخلاقي وما يقترن بها من انفعالات ووجدانات سلبية إلى أن يعتقد الشخص أنه لا يستحق أي شيء جيد؛ الأمر الذي يمثل عائقًا أمام اندماجه في عملية العلاج، بل قد يميل إلى إدانة الذات ومعاقبتها وإهانتها وتشويهها كنوع من العقاب الذاتي سواء في العمل، أو في علاقاته مع الآخرين، مع ما يمكن أن يصاحب من ميل إلى الانسحاب والانزواء على الذات وعدم التوقف عن لومها وتأنيبها.
إذًا، فما نحن فاعلون؟ اقترح: تعزيز الحوار العام حول الضرر المعنوي. وتوفير الفرص للمحاربين القدامى عبر تصميم برامج استكشاف الجرح الاخلاقي والمشاركة فيها. وكذلك البحث والتثقيف في الضرر المعنوي، مع رفع مستوى الوعي شرط أساسي لإحداث التغيير، فضلا عن ضرورة معالجة الافراد الذين كانوا ضحايا الارهاب.