البُعد السياسي للعدالة

آراء 2023/11/22
...

 كاظم لفتة جبر 


يُعرف أن مفهوم العدالة مفهوم عام يقوم على المساواة بين الأفراد ومنهج إعطاء كل ذي حقا حقه.

فهو ذو أصل أخلاقي وشرعي قبل أن يكون سياسياً يخدم القانون ويؤطر مبادئه. 

يتباين مفهوم العدالة من مجتمع إلى آخر كلا حسب نظامه، فالعدل في المجتمع الاقتصادي يختلف عن العدل في المجتمع القبائلي، والعدل في المجتمع الديني يختلف عن العدل في المجتمع السياسي، والأمر نفسه ينطبق على جميع المجتمعات بالإجمال، فالعدل في المجتمع المحلي يختلف عن العدل في المجتمع الدولي، والعدل في المجتمع العربي يختلف عن العدل في المجتمع الغربي، والعدل عند الفلسطيني غير العدل عند الإسرائيلي. 

فالعدل مفهوم سائل لا يخضع لثوابت المطلق، بل مفهوم يخضع لإيديولوجيا السلطة، ومصالح الأفراد، فالنظر في العدالة أمر جيد، لكن العدالة لا أمر بيدها سوى أن تخضع لمبادئ المجتمع الذي يحيط بها ويؤسس كيانها، فالعدل في الاقتصاد يكمن في عملية تنظيم سوق العمل بين رأس المال والعمال والدولة، واختيار النظام الاقتصادي الذي يحقق العدالة في التعاملات ومصلحة الأفراد سواء كان شيوعيا أو رأسماليا، أو اشتراكيا. 

أما العدل في الدين يقوم على ما يكون للإنسان وما يكون لله ويخضع لمبدأ الثواب والعقاب، أما في النظام العشائري (القبيلة) فتجده يخضع أما لشرع الدين الذي تنتمي إليه القبيلة، أو إلى أعرافهم وتقاليدهم، أما في الجانب السياسي فالعدل يكون مختلفا غير ثابت، متغيرا من نظام إلى آخر ويخضع لمتطلبات المصالح العامة الداخلية أو الخارجية، فالعدالة السياسية العدل فيها سائل، متحول من جانب إلى جانب. 

إذن فالعدالة شيء غير موجود سوى المفهوم، كون أن مبادئها تخضع لمتطلبات الإنسان، وحاجاته ورغباته، فالعدالة مرة تكون إعطاء كل ذي حق حقه، ومرة تكون قصاصا، وفرق بين إعطاء الحق وبين القصاص، فالأولى تبحث عن إقامة العدل بين الناس، والثانية تخضع لمفهوم الثأر، والذنب والعقاب. 

وبما أن العدالة هي التي تؤسس النظام وصيغة التعامل بين السلطة والافراد، أو بين السلطات فيما بينها، لذلك تجد فرقا واضحا في تطبيق مفهوم العدل بين الافراد، وبين من هم في السلطة، فالأول يخضع لمبادئ ودين المجتمع، والثاني يخضع للمبادئ السياسية والمصالح العامة للدولة، وتعاملاتها مع الدول أو الأنظمة العالمية، لذا لا قياس للعدل سوى البيئة التي يتعامل معها، لذلك تجد العدل في الأول قياسياً لا مجال من الإفلات منه، بعكس العدل في الثاني الذي يكون مرنا. 

وعلى ضوء هذه الإشكالية طرح الفيلسوف الأمريكي جون رولز مفهومه في العدالة الاجتماعية بكونها إنصافا لكل الأفراد من حيث توفير مبادئ عمومية تعتمد على الحرية والاختلاف، ومبدأ التعويض والمنفعة والمصالح العامة، هكذا ويتطلب مبدأ العدالة عند جون رولز توفير حريات مهمة معينة بالتساوي للجميع، وتتمتع هذه الحريات الأساسية بالأولوية على جميع قيم الرفاهية الاجتماعية وتوفير فرص عادلة بالتساوي لجميع المواطنين، وهيكلة الفروق في الدخل والثروة، وفي المراتب الاجتماعية، بما يقتضي إلى ضمان الحد الأقصى من الفائدة للأعضاء الأسوأ حالاً في المجتمع.

ويؤكد جون رولز على أن التفاوتات الاجتماعية عادلة فقط إذا كانت منتجة لمزايا تعويضيَّة للأفراد الأكثر حرماناً.