صوت وصورة

آراء 2023/11/27
...

 د. أثير ناظم الجاسور

لا يختلف أحد أن النظام العالمي وأحداثه وفواعله المؤثرة وتقسيماته حسب المناطق والقدرة والهيمنة والنفوذ تتشكل كما هي سيناريوهات المسرح وأدواته التي تساعد على تكوين الصورة النهائية للعرض المسرحي، ابتداء من مكان وزمان العرض مروراً بالنص والإخراج والممثلين واللوجستيات التي تعمل على إضفاء تلك الأجواء المتخيلة لذلك العرض الذي يُعد له من قبل الجميع، وهنا تبدأ مراحل التجهيز والبروفات لعمل مسرحي ضخم لما يشهده من أسماء مشاركة (ممثلين) ومخرج ومؤلف متميزين انتهاء بالوصول للعرض الاول الذي سيحدد من خلال محتواه زمن ديمومته.

في الجانب المقابل للعرض الجمهور سواء المستهدف منه أم العموم من المتفرجين الذين باتوا ومن خلال معرفتهم بالابطال وادوارهم لربما تبدأ عملية بناء السيناريوهات التي يتم رسمها وفق الأدوار لكل من اللاعبين في هذا الميدان ليكون العرض أكثر تشويقاً ستكون خشبة هذا المسرح مختارة على أرض متميزة تليق بذلك العرض (الصراع) تُفتح الستار ويبدأ العرض بطرح الأفكار والتصورات التي على أساسها سيكون لكل لاعب دوره وفق ما يتم رسمه على خشبة هذا النظام ذات النصوص المعقدة والمتحولة والمتبدلة وفق استراتيجية الكاتب والممثل والمتلقي.
الفصل الأول دبلوماسية وسياسات مطروحة وفق تبنيات واستراتيجيات العدو والصديق وحوار فكري فلسفي يستمد ديمومته من وقائع التاريخ التي تم احياؤها بالضرورة وفق المصلحة المتجددة في هذا الركن من هذه الخشبة أو تلك، لنبدأ الإضاءة (الاعلام) بالتركيز على الزوايا الحساسة وتُحدد من خلال المؤثرات الصوتية اهمية الفعل ورد الفعل لا سيما أن لكل منهما وقعا مختلفا، من خلال هذا التركيز يتم التبرير للسياسات المتبعة، فتارةً تتحدث عن واقعيّة القوة وضمان الأمن والسلم من خلال امتلاكها لتصبح الدول هي الضامن أو البديل عن الفوضى، لتصبح الأخلاق هي دافع السياسات وفلسفة العدالة هي الغاية لكل اللاعبين على مختلف تنوعهم وقدراتهم ذات المقاييس المختلفة، فالاخلاقيات السياسيّة هي ديدن الدول في الاتفاقيات والمعاهدات والحوارات الدبلوماسية رغم علمها (الدول) من خلال صنّاع قرارها أن سلوكياتها والسلوكيات المقابلة تتمحور في تحقيق الأهداف كل حسب حاجته وتوجهاته.
الفصل الثاني من العرض يبدأ التصفيق (التأييد) لدور الفاعلين ومدى تاثيرهم ضمن مساحات العقل والعاطفة الجماهيريّة من خلال خلق تصور عن عدالة سياساتهم المتبعة ضمن حيز هذه الخشبة التي تبتعد مدياتها لتكون عابرة لتلك المُخيلة البسيطة للجمهور، لتكون الإضاءة هذه المرة موجهة للخطابات التي تتحدث عدالة التوجه والمقصد الداعي لمفاهيم الحرية والعدالة ورفع الظلم عن الإنسان في هذه النقطة أو تلك، ومن خلال التصور المُتخيل تتكون السياسات المتحولة والمتغيرة وفق الاستراتيجيات التي تُحددها المرحلة على اعتبار أن لكل مرحلة فواعلها واسبابها ودوافعها، فالعلامات والرموز والأدلة التي تمثلها سيميائية هذا العرض هي الدالة على وضوح الصورة بكل ألوانها التي مهما امتزجت يبقى هناك لون طاغٍ على كل الألوان، في هذا المسرح وبالرغم من تعدد المفاهيم وتحولها ومحاولة تسويقها تبقى سياسة دمجها حكراً على قوى أساسية بالضرورة تأخذ دور البطولة مع كل عرض يُعرض على الجمهور عامة.
الفصل الثالث يُسلط الضوء على استرجاع تلك الخيارات التي عاشها الجمهور المستهدف بشكل خاص والجمهور العام من خلال طرح الأفكار التي جعلت من هذا العرض ذي قيمة، فحيثيات الحدث الآني له تجلياته التاريخيّة التي تنطبق على الجماعة والتمييز بين المسؤوليات الواقعة على الأخيرة والدولة الفاعل الرئيسي، فمن دون الأخيرة ستكون الفوضى هي المرض الذي تعاني منه المجتمعات (الجمهور) لتدور المناقشات حول ما يصب في مصلحة الانسانيّة، فما كان بالماضي حدد معالم الحاضر وعمل على خلق صور متجددة بمعالم مختلفة للمستقبل مع تغير الازمنة بذات الأماكن، كل ما حددته هذه السيناريوهات أن خشبة النظام بمكانها ثابتة والمتغيرة هي الاستراتيجيات المتبناة من قبل القوى الفاعلة، من ثم وكما هي قاعدة الواقعيين فالقواعد الأخلاقية تتمثل في ضمائر الأفراد كأفراد أما الدول فلها وضعها الخاص المختلف من خلال ما يقع على عاتقها من مسؤوليات وواجبات لا مثيل لها عند الأفراد.
الفصل الرابع لا أخلاق في الحرب وبالرغم من أن الأخير وسيلة لا غاية إلّا أن كل الحوارات والاتفاقيات والمسؤوليات قد تلغى عند سماع صوت طبول الحرب لتشهد خشبة هذا النظام صوراً تراجيديّة لانهيار تلك القيم الانسانيّة التي قطعت من أجلها أشواطاً على الاقل في سبيل إيجاد قواعد جديدة أو موروثة لتثبيتها، وتبدأ المشاهد التي تتحدث عن جوانب عدالة القضية التي اجتمعت القوى لتحقيقها بعد أن وجدت كل واحدة منها أن قضيتها تمثل العدالة سواء كانت القوى المهاجمة أو المدافعة، من ثمَّ فإنّ وضع معايير خاصة بالعدالة بعد وأثناء الحرب لم تعد بالكفاية التي تتحمّل الواقع الذي تعيشه الشعوب سواء كانت شعوباً مترفة أو مظلومة محرومة، ومهما كانت فصول العرض المسرحي على خشبة النظام العالمي متعددة وغزيرة بالأحداث والفواعل الرئيسيين والثانويين إلا أن الضرورة السياسة والاستراتيجية تحتم على الجميع سماع صوت البطل الذي يجني كل ثمار انتصارته بناءً على انكسارات الخصوم، بالمحصلة كل الاحداث وما يدور فيها من تفاصيل يؤدي فيها الدور هذه الجهة أو تلك تصل للجمهور بالصوت والصورة لتعكس قدرة هذا النظام على التأثير.