الكتاب العربي في زمن الحرب

ثقافة 2023/12/06
...

يقظان التقي 



يعود معرض بيروت العربي الدولي للكتاب بنسخته (65)، الذي ينظمه النادي الثقافي العربي في موعد سنوي في نهاية كلِّ عام، وانطلق في وسط بيروت، مركز (سي سايد)، على الواجهة البحريَّة، ويستمر حتى 3 ديسمبر/ كانون الأول. 

افتتح المعرض رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي شخصياً بحضور مدني واسع، في تظاهرة ثقافيَّة وسياسية واجتماعية تراكمت لعقود من السنين، وصادفت مراراً بظروف متغايرة، أدت في مراحل سابقة إلى تأجيل دورات عدة، كما لبنان المؤجل . يأتي الافتتاح في ظلّ أزمة الكتاب، وذلك بعد انقطاع ثلاث سنوات بسبب الظروف والأحداث الناشئة عن التحرّكات الشعبيّة بعد 17 تشرين 2019، والتدابير التي رافقت جائحة كورونا، وبسبب انفجار المرفأ المدمّر. وقد أكّدت رئيسة النادي السيّدة سلوى بعاصيري في كلمتها أنَّ “العودة في هذا الظرف واجبٌ ثقافيّ معرفيّ”، وفي ذلك “التزام بصيغة لبنان الحضاريّة ومتطلباتها”.

وعلى رغم الظروف الصعبة والقاسية التي تمر بها البلاد والمنطقة، وما يصيب غزة والجنوب من حرب إسرائيلية وأوضاع اقتصادية صعبة، وانهيارات بنيوية في لبنان ترمي بثقلها على البلاد والعباد، برز الإصرار من قبل النادي الثقافي العربي منظم المعرض على الاحتفالية بالكتاب مع عودة دور نشر كبيرة إلى نشاطاتها السابقة بمجاميع إصدارات مهمة، عززها الحضور (النشري) اللبناني التاريخي، والناشط حضوراً في المعارض الخليجية الأخيرة، وتوسع سوق الكتاب العربية واستعادة المادة الورقية ثقتها بعد أزمة كوفيد- 19، لاسيما في الصحافة الورقية على حساب شبكات التواصل الاجتماعي.


يبرز السعي الحثيث في دور النشر إلى استعادة الدور الريادي للبنان وللعاصمة بيروت في تحويل معارض الكتاب إلى مناسبة محورية، وإلى صناعة تستعيد من خلالها دور النشر دورها الإنتاجي، وتأثيرها في مساحة أوسع عربية وعالمية. لاسيما أنَّ الكتاب اللبناني لا يخضع لبرودة العلاقات العربية مع لبنان في السنوات الأخيرة.

سبق افتتاح المعرض العربي الرسمي للكتاب الإعلان عن “معرض بيروت الدولي للكتاب”، وهو نسخة ثانية عن المعرض العربي بتقسيمات ملتبسة وتوجهات غير واضحة. تقسيمات انتقائية وصلت إلى معرض الكتاب الذي كان يُقام في بيروت منذ نصف قرن وأكثر، فصار معرضَين: واحد دولي، وآخر عربي ودولي، معرض لنقابة اتحاد الناشرين اللبنانيين برعاية وزارة الثقافة اللبنانية، والثاني للنادي الثقافي العربي، الراعي والمنظّم الرسمي للمعرض منذ عقود. 

لبنانان لا لبنان كما في السياسة والأمن والاقتصاد والسلاح . مبدأ وفكرة إقامة أكثر من معرض في بيروت والمحافظات إيجابي . لكن ليس في معرض تقليد في نسخة ثانية لن تنجح بالضرورة وغير مكتملة العناصر لاسيما في عاصمة تحرص على استعادة دورها وحضورها وكانت إقامته مغامرة غير مدروسة، أدت إلى تغييب دور نشر أساسية مثل “الساقي”، “هاشيت انطوان”، “الرافدين”، “دار التنوير” عن المعرض العربي لجهودها في إقامة النسخة البديلة وهي دور ناشطة جداً وغزيرة الإنتاج. 


لكن كأنها أكثر كسراً لاحتكارية المعرض الأول في المنطقة العربية، غير أنها تشجع الناشرين والموزعين والمؤسسات الثقافية والتربوية على توسيع حركة النشر والترجمة، وتنظيم ورش العمل والمؤتمرات المصاحبة للمعرض، وتفعيل مفهوم القراءة واستجابة لمطالب عدد من دور النشر. 

كانت جرت بعد التوترات (الجهويّة) في دورة المعرض العربي السابقة من تعبيرات حزبيّة/ شعبوية، لاقت معارضة سياسية في معرض لطالما كان مساحة إشراك واسعة لجميع المفكرين والكتاب والناشرين وموزعي الكتب والمكتبات في مساحة مفتوحة وغير إيديولوجية الطابع. لا شك أنَّ معرض الكتاب العربي يمكن أن يكون أكثر غنى وتجدداً. الجديد هو التعبيرات الشبابية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، والحاجة إلى مواكبة التحولات والمتغيرات على اختلافها والتجريب الخلاق في وضع برامج وأسس غير بيروقراطية لمواكبة التطورات الحداثية. كما تأمين لقاءات وحوارات مبتكرة بين المثقفين والناشرين والقراء المدنيين لتعزيز دائرة التفاعل لتشمل المواهب الإبداعية الخبيئة وغير المكرسة، وإيجاد حلول لتوسيع رقعة التوزيع المحلية والعربية، وتوفير التفاعل والتواصل بين المبدعين والمفكرين والعلميين والمبدعين وطلاب العلم والمعرفة في مجالات متنوعة من خلال برمجة سلسلة للتواقيع أكثر من تحولها إلى كشكول من العلاقات الاجتماعية، أي اعتبار المعرض مكتبة متحركة يقصدها القارئ طريقة عفوية جاذبة وساحرة للكتاب من خلال عناوين واتجاهات حديثة في الكتابة التي تشمل ميادين الآداب والفنون، إذ يتولى النادي الثقافي العربي هذه السنة وحده من دون “نقابة اتحاد الناشرين” تنظيم المعرض، الذي يضم نحو 120 عارضاً من دور ونشر ومكتبات، مع استمرار غياب عدد كبير من دور النشر العربية عن الفعالية الثقافية.

ولم تغفل دُور النشر الإشارة إلى أنَّ إصداراتها تأتي في لحظة يتعرّض فيها الشعب الفلسطيني إلى حرب شاملة.

اللحظة الراهنة كانت مهيمنة على الافتتاح، إذ لفت المنظّمون إلى أنَّ إقامة الدورة الحالية “تأكيد على دور بيروت كعاصمة للثقافة والمعرفة، وعلى التحدّي للعدوان الإسرائيلي في قطاع غزة وجنوبي لبنان”.

كما حضرت صُور المسجد الأقصى والأعلام الفلسطينية في أروقة المعرض على نحو رمزي يعكس رؤية المعرض كنسيج قومي عربي، بالإضافة إلى تثبيت لوح أبيض دوّن عليه روّاده كلمات عبّرت عن دعمهم للنضال والمقاومة في فلسطين. تبقى إشكالية أسعار الكتاب في بلد منهار مالياً، أزمة فقد المودعين أموالهم في المصارف، وفي أزمة فقر وترتيب أولويات لا تستجيب لأجندة شراء الكتاب مع الارتفاع الكبير في سعر الدولار بالنسبة لسعر الليرة اللبنانية، لا أحد يُنكر إذن أزمة الكتاب والنشر، في انتظار انفراج الأوضاع وإيجاد الحلول. إذ إنَّ “الوضع مأساويّ” بكلّ معنى الكلمة، ولا بدّ من توفّر “خطّة إنقاذية” لمعالجة الوضع. وكان لافتاً خبر توقيع الاتفاقية بين البنك الدولي والحكومة اللبنانيّة لدعم الصناعة الثقافية في لبنان. كما علم  أنَّ التمويل سيكون من الصندوق الائتماني المخصّص للبنان لدعم العاملين في المجال الثقافي، ما يساعد على استعادة الحياة الثقافية وتزويدهم بالحوافز للاستمرار في الإنتاج الثقافي ويساعد على استعادة المدينة حيويتها وهي المعروفة بكونها مركزاً ثقافياً على المتوسط لكن حتى الآن لم يرشح أيّ شيء عن طبيعة هذه الاتفاقية، وشروطها وتقديماتها والجهات المستفيدة منها .


بالانتظار، لا بدّ من الاستمرار والمثابرة والصمود، لاسيما مع الكتاب العربي في زمن الحرب، حتى مع الحنين إلى زمن العلماء الذين يفاخر بهم العرب مثل ابن سينا/ الرازي/ الحسن بن الهيثم/ الكندي/ الفارابي/ جابر بن حيان/ عباس بن فرناس/ ابن بطوطة/ ابن رشد/ الجاحظ/ أبي العلاء المعري/ الطبري/ الخوارزمي/ ابن باجة/ ابن طفيل/.. ومراجع من الذاكرة في زمن الإلحاد الثقافي والأرض التي يتم إحراقها .