علي المرهج
هي المسار الذي يؤمن أصحابه بضرورة العودة للمنبع الأول، القرآن وما جاء على لسان الرسول من أحاديث ومن سلوك سلوكه هو وأصحابه وأهل بيته والتابعين له، إنما ينبغي علينا الاقتداء به، وهو السبيل المهم لتحقيق نهضتنا، وما يختلف عنه أصحاب هذا المسار عن أصحاب المسار التقليدي، إنما هو في الانفتاح على العصور الإسلامية الأخرى التي حقق الإسلام فيها منجزات حضارية مهمة ولا تقف عند زمن الرسالة، من جهة
فضلا عن انفتاح أصحاب هذا المسار على منجزات هذا العصر بما لا يتعارض والشريعة الإسلامية، من جهة أخرى.
الذين يسميهم محمد عابد الجابري بـ «السلفيين المعتدلين الذين يقبلون من حضارة العصر ومؤسساته ما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو ما يمكن تبريره داخلها، وفي الوقت نفسه يوسعون من دائرة «السلف الصالح» لتشمل كل العصور الإسلامية المزدهرة وبكيفية خاصة تلك التي يكون فيها الخليفة «صالحاً» يعمل بأوامر الدين ويستشير أهل الحل والعقد...».
ترتب على ذلك إيمان هؤلاء بأهمية العقل وبتركيزهم على التوفيق بين ما جاء به النقل (الشرع) وما يريده العقل، وكأنّهم يعيدون مقولة ابن رشد: بأنَّ الحكمة لا ترفض الشريعة بل هما صنوان ينهلان من منهل واحد، وأن العقل لا يعارض النقل بل يوافقه ويشهد له، ومن هؤلاء الأفغاني ومحمد عبده اللذان أكدا أنَّ القرآن كلّما حاكم حاكم العقل.
وهو -كما ذكرنا- مسارٌ يعتقد أصحابه بضرورة الاطلاع على الحضارة الغربية والعودة إلى تراث السلف الصالح ومحاولة التوفيق بينهما.
لكن نقطة البدء عندهم تبدأ من التراث والعودة للمنابع الأصلية: (القرآن، الحديث والسيرة النبويَّة، أحاديث الصحابة وسيرهم وإجماع علماء المسلمين)، وهم في هذا يلتقون مع أصحاب المسار التراثي الراديكالي، مثلما يلتقون معهم في إيمانهم بشعار: «لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صَلُحَ به أولها». حاول الشيخ مصطفى عبد الرازق استكمال الرؤية هذه بدفاعه عن التفكير العقلاني الإسلامي، ويقلل من أهمية تأثير الفلسفة اليونانية بوصفها فكراً طارئاً، لم يكن هو السبب في وجود العقلانية الإسلامية، وإنما كانت جراثيم هذه العقلانية موجودة في التفكير الإسلامي قبل ترجمة الفلسفة اليونانية، وعلينا البحث عن هذه الجراثيم.
فقد كان الاجتهاد في الرأي موجوداً في صدر الإسلام وصار أسلوباً ضرورياً لإتمام حكم الشرع على الوقائع الجديدة.
لذلك يحاول صاحب كتاب «التمهيد لتاريخ الفسلفة الإسلامية» البحث عن تمهيد لها ليس في الكلام والتصوّف فقط، بل وفي «أصول الفقه» فـ «إذا كان لعلم الكلام ولعلم التصوّف من الصلة بالفلسفة ما يسوّغ جعل اللفظ شاملاً لهما فإنَّ «علم أصول الفقه» المسمّى أيضاً «علم أصول الأحكام» ليس ضعيف الصلة بالفلسفة.
ومباحث أصول الفقه تكاد تكون في جملتها من جنس المباحث التي يتناولها علم أصول العقائد الذي هو علم الكلام..».
1ـ ربط الفكر الغربي العلمي والعقلاني بالفكر الإسلامي، وتأكيد مديونة الغرب للعرب، كما فعل (علي سامي النشار) الذي يؤكد أن المسلمين أنتجوا تفكيراً منطقيّاً، وكشفوا عن المنهج التجريبي الذي عرفته أوروبا بعد ذلك وسارت في ضوئه إلى حضارتها الحديثة»، ومن ثمَّ تأكيده على نقد المسلمين للمنطق الأرسطي ثم وضعوا منطقاً جديداً، أو منهجاً جديداً هو المنهج الاستقرائي.
إنَّ القرآن عند أصحاب هذا المسار خاطب العقل، وكل ما بدا هذا الخطاب مناقضاً للعقل ينبغي علينا تأويله لأنّه يتناقض وشريعة الإسلام بوصفه ديناً للعقل.
وعلينا أن لا ننسى أنّهم يعتقدون أن الحضارة الغربية لم تبدأ من الصفر، وإنما كان المسلمون ممهدين لما جاؤوا به من علوم وفلسفة، أفاد الغرب منها بعد أن هجرها العرب في عصور انحطاطهم.
وخير دليل هو انتشار فلسفة وطب ابن سينا ورياضيات الخوارزمي وطب ابن النفيس وبصريات ابن الهيثم وفلسفة ابن رشد وكتابه الكليات في الطب.
2ـ ربطهم بين الديمقراطية والشورى، ومحاولتهم تأصيل الديمقراطية في العودة للأحاديث والسيرة النبويَّة وأحاديث وسير أصحابه والتابعين وأهل بيت الرسول، والبحث في متون التراث بما يدفع للدفاع عن هذه الفكرة.
ولذلك هم «يقبلون من حضارة العصر ومؤسساته ما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلاميَّة أو ما يمكن تبريره داخلها، وفي الوقت نفسه يوسّعون من دائرة «السلف الصالح» لتشمل كل العصور الإسلاميَّة المزدهرة».
3ـ التوفيق بين النقل والعقل، والإيمان بالتأويل على قاعدة «لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم»، والنقل ينبغي أن يتطابق مع العقل وما بدا ظاهره مخالفاً للعقل وجب تأويله.
4ـ تضخيم ماضي الذات وتقزيم حاضر الآخر، لأن الغرب نجح في كيفية توظيف إبداعات التراث العربي والإسلامي، في الوقت الذي فشل فيه العرب والمسلمون.