وسام زكو.. دفاتر الرَّسم رمز التعبيريّ

ثقافة 2023/12/11
...

  خضير الزيدي

لا تخلو أعمال الفنان العراقيّ المغترب وسام زكو من إشارات ورموز ذات محتوى تاريخي يشير إلى أهميّة الشرق القديم.
وسبق أن أشرت في أكثر من موضع حول رسوماته وقد أضاف عبر لمساته التعبيريَّة ما يعزز من خطاب أسلوبه الفني، ولكن هذه المرة في دفاتر الرَّسم التي يصر على أن تكون جزءاً مكملاً من مشروعه الجمالي. وبما أنه يعزز من فكرة الارتباط بالتاريخ، وله رغبة جامحة في أن يضيف ويوظف ويمدد من مباهج الأشكال التي يسعى أن يقدمها للمتلقي من ضمن توصيف يجمع بين الجماليّ والتاريخيّ، فهو هنا يوضح مدى رؤيته وإصالة مشروعه، ليس لأنه التزم بالمعايير الفنيّة وطلاقة التعبير الفنيّ الصارم، بل لكونه يعيد تراكيب أشكال تجمعها فكرة واحدة ألا وهي العودة إلى الأصول التاريخية، سواء ما تعلق بشكل الصليب والحروف المسمارية، والاشكال ذات المحتوى القابل للعودة إلى أصول قديمة تتعلق بأنماط من حروف لها سمات ما يتعقب في الآثار الرافدينية.
هذا التوسع في الأشكال الرمزيّة، بجوار فكرة نتاج جديد، يعتمد على بناء اسلوبي يتخذ من التجريد سمة فنيّة له. لقد استمده من خلال قراءاته المتواصلة حول تاريخ العراق دينيا وتاريخيا واجتماعيا، فهو يحدد للمشاهد أعماله من النظرة الأولى. إنه ينغمس في تاريخ المنطقة القديم، ويأتي ولعه مشفوعا بالرؤية والانتماء مع كسب الكثير من الاستعارات وتحديد مسارها الشكليّ، بما يكشف عن هواجس إنسانية ووطنية صادقة.
وبما إننا نبحث في الشكل والمحتوى، فقد وجدنا أن الانسجام بين الاثنين تحقق في مدار تجربتين منفصلتين. الأولى عبر أعمال النحت التي قدمها منذ سنوات حينما أشار إلى قيم التاريخ العراقيّ - وكان عمله المعروف لدى الجميع (اللوح النذري) الذي أنجزه عام 2004 واحدا من أعماله النحتية التي يتم في إنجازه التأكيد على فاعلية المفارقة البنائيّة أولا، والدلالة التعبيريَّة ثانيا- وبما أن منحوتاته، ومنها هذا العمل حققت نجاحا في تعاملها الموضوعي مع حساسية الرموز التاريخية العريقة، فقد كان مشروعه عبر دفاتر الرّسم في هذه المرحلة ميراثا إضافيا لبناء أعمال فنية تتجه بما يمثل ويوظف الرموز التاريخية بشكلها المستقل دلاليا وتعبيريا.
يعد وسام زكو الفنان الثمانيني من القلائل الذي شغفوا بالرموز، وسارع منذ زمن ليحقق له أسلوبه ميزه عن أقرانه، واكتسب نتاجه الفني قيمته من صدق التعبير، وفهم ما تصبو إليه الرؤية من خطاب تصويري بعيدا عن الانفعال والتعامل اللاموضوعي. وهكذا استجاب لقوة إرادته في أن يولي وجهته باتجاه التاريخ، ويفتح أكثر من نافذة، ويرى حركة سحر ذلك التاريخ المليء بالمتناقضات، وكيف يمكن استعادتها جماليا، ولكن ما يهم كل من يشاهد دفاتر الرسم سيقول إن القيمة الجماليّة تحققت ضمن وجهة مثالية اتخذت من المعرفة طريقا لها، واعاد التعامل في الأسلوب الدقيق لبناء العمل توجها، ليكون هو الآخر بمثابة تدوين يوضح مبادئ فكرة وأسس العمل عند وسام زكو، وهو يعود بنا إلى رحى ما يطحنه  التاريخ
الرافديني.
وأعتقد أن قيمة دفاتره جماليا تنصب في الترابط الشكليّ غير المحبذ للانفصال، فأعماله لا تقرأ، ولم تعد ذات طابع ديني تحيطه المواضيع المتعلقة بالسحر الذي يوظف الحروف والاشكال الغريبة، بل جاء طابع الابتكار متحققا بقيمة اللعبة البصريّة في توزيع الأشكال، ومدى التجاذب بينها، فكان كل عمل هنا يمنحنا استقلاليته بوصفه جزءا من سلسلة أعمال تنتهي بخطاب معرفي وجمالي خال من الشوائب والتبعية للآخر.
وهذا ما يجعلنا نقف منبهرين أمام الاجراءات الشكلية التي عززتها قوة النظم ووحدة الموضوع وامكانية العودة لمراجعها ومن هنا بدأ التوجه الخاص بدفاتر وسام، وكأنه انجاز شكلي ارتبط موضوعيا بالتاريخ، ليس من باب الايحاء والاشارة العابرة له، بل من خلال قناعته وانتمائه واستقلالية فكرته بكل ما تجلبه حواسه ومشاعره سعيا منه ليعيد لنا أهمية ما حملته أرض العراق من آثار ولقى ومنحوتات كانت ضرباً من الخيال، وضرباً من البناء الشكليّ المدهش.