زهير كاظم عبود
لم تكن أرض فلسطين هي المحاولة الأولى لإنشاء وطن قومي لليهود في العالم، الفكرة كانت قديمة تم التخطيط لها وتنفيذ مراحل واشكال منها، بغية إيجاد أرض لتجميع اليهود المطرودين من أوروبا عليها، وأن يتم ترتيب حكومة تقوم بواجباتها التنفيذيَّة والرسميَّة على أساس أنّهم دولة تنمو تدريجيا، وحتى تأخذ حيزا ومكانة بين دول العالم، وفكرة السيطرة على ارض من الأراضي تعني إزاحة أهلها وسكانها الأصليين والسيطرة عليهم تحت شتى الذرائع والأسباب.
في العام 1825 م بادر (موردخاي نواه) وهو صهيوني ان ينفذ فكرة إنشاء دولة صهيونيّة في منطقة (ارارات) في أمريكا، وبالرغم من أهمية الفكرة إلّا أن اليهود انفسهم لم يتحمّسوا لها، وتدريجيا فشلت الفكرة، رغم بقاء الفكرة والرغبة كامنة تحت الرماد، وبقي الصهاينة يبحثون عن أرض تتناسب مع أفكارهم لتجميع اليهود المطرودين من أوروبا.
في العام 1885 م ظهرت فكرة إنشاء دولة صهيونية على أراضي (جزيرة مدغشقر)، وعلى أساس ان تكون مكانا لتجمع يهود أوربا، كان صاحب الفكرة رئيس القسم اليهودي في وزارة الخارجية الألمانية (فرانز راديماخر)، والجزيرة حينها كانت تحت سيطرة الحكومة الفرنسية، وحالما بدأ تنفيذ الفكرة تخوفت أعداد اليهود من أمراض المنطقة الاستوائيَّة وعدم إمكانية استيعاب أعداد كبيرة من اليهود القادمين من أوروبا، وعزفت العديد من الأسر اليهوديَّة عن الاستجابة لهذه الفكرة ما أدى إلى فشلها كليا.
في العام 1896م ظهرت فكرة إنشاء وطن لليهود في منطقة (اندينيا) جنوب الارجنتين وتحادد شيلي، وبدأ تنفيذ الفكرة بوصول اعداد كبيرة من اليهود اليها، وحالما علم الجيش الارجنتيني بهذه الفكرة تمت محاصرة المنطقة واعتقال من تواجد فيها، ومن ثم اجهاض هذه الفكرة وتشتيت الاعداد الآتية من اليهود جملة وتفصيلا.
في العام 1904م ظهرت فكرة انشاء وطن لليهود على الأراضي الأوغندية في شرق افريقيا، وكان (هيرتزل) الصهيوني الشهير هو صاحب هذه الفكرة، وبعد تمحيص ودراسة المنطقة وجدوا انها لا تتناسب لسكن اليهود الاوروبيين وعزف أغلبهم عن تنفيذها.
في العام 1917م ظهرت فكرة انشاء وطن لليهود في منطقة (الاحساء) شرق المملكة العربية السعودية، والفكرة روجها الدكتور (ام ال روئنشتاين) وهو يهودي من أصول روسية، طلب فيها من الحكومة البريطانية مساعدته لقيام مثل هذه الدولة، لكن الحكومة البريطانية أشعرته بأن المكان غير متناسب مع تطلعات اليهود، فضلا عن وجود اتفاقيات دولية مع المملكة العربية السعودية تمنع تلبية مثل هذا الطلب. ومع أنَّ الحركة الصهيونية حصلت على وعد (بلفور) 1917 ليكون سندا وقاعدة لتأسيس دولة الكيان، الا ان الامر تطلب عملا دقيقا ومخططات سرية لترجمة الوعد إلى حقيقة قائمة، ومع ذلك الحلم لم تتوقف المحاولات.
في العام 1928م ظهرت فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في منطقة (بيروبيجان) في روسيا، وتمت المباشرة فعلا بتنفيذ هذه الفكرة، وبدأت أعداد كبيرة من اليهود القادمين من أوروبا تتجمع فيها، وتمكنوا من إنشاء حكومة محليَّة على تلك الأراضي، وبعد عشرة سنوات عرض جهاز الأمن الروسي على الرئيس (جوزيف ستالين) ابعاد تلك الفكرة وخطورتها على المنطقة، فأمر بتشتيت تجمعهم واجهاض فكرتهم، والقبض على قياداتهم ومحاكمتهم ومن ثم تنفيذ أحكام الإعدام التي صدرت بحقهم، واضطرت بقية الاعداد النفاذ بجلودها وموت الفكرة
كليا.
كانت المحطة الأخيرة (فلسطين) حيث تتواجد فوق أراضيها اقلية من اليهود يتعايشون بشكل منسجم مع اخوتهم المسيحيين والمسلمين من اهل فلسطين، ومع ان فكرة الصهيوني (هرتزل) لم تكن مبنية على أسس دينية لليهود الا انه استغل الدين لصالح الرغبة الصهيونية والعرقية مستغلا الظروف التي تمر بها المنطقة، لوضع قدمه فوق جزء من التراب الفلسطيني تدريجيا، لتبدأ صفحة الهجرة الناعمة إلى ارض (الميعاد)، ومن ثم المواقف الهزيلة والمتذبذبة للحكومات العربية في تلك الفترة، وامام منطقة تعد مثالية للحياة في الشرق الأوسط، وهي تستحق ان تقاوم فيها مجموعة بشريَّة لا وطن لها ولا استقرار لتكون وطنها واستقرارها، وجاء وعد (بلفور) بمثابة القاعدة والاساس الذي قامت عليه دولة الاحتلال، أرض يحدها النهر والبحر، تتوسط الشرق الأوسط، قامت دولة الاحتلال من دون ان تقرأ التاريخ، اعتقد قادتها ان القوة في زمن معين ستفرض الواقع، وان الاحتلال الغاشم واستعمال القوة المفرطة ستأتي بالسلام، وان أساليب القمع والسجون وسحق الكرامة والحصار الجائر يمكن ان تخضع شعب فلسطين وتجعله راكعا ومقرا بالواقع.