الخوف من المستقبل

منصة 2023/12/17
...

 سريعة سليم حديد

يقولون: "كبر فلان، وخرَّف، ولا يتذكَّر أحداً، حتى أسماء أولاده"، هل كل من يكبر في العمر، يمكن أن يصاب بالخرف، أو كما يُطلق عليه بمرض "الزهايمر"؟ سؤال يطرح نفسه لدى الكثيرين، ويثير قلقهم من المستقبل، كلما شعروا بتقدم العمر، حتى أن كلمة زهايمر تثير الرهبة أيضاً من نطقها.
وتعود تسمية هذا المرض نسبة إلى عالم النفس الألماني "ألويس آلزهايمر".
من بوابة انتشار هذا المرض بشكل كبير، ووضع المرضى المحزن، ندخل لنبيّن تعريفه، وأعراضه وطرق التعامل مع المرضى، وذكر بعض الإجراءات للوقاية من هذا المرض؛ علّنا نشعل شمعة بكل محبّة لمن يمرون هنا.
وآلزهايمر هو اضطراب في الدماغ يؤثر بشكل كبير على الذاكرة والتفكير والمهارات السلوكيَّة المختلفة، مما يجعل الشخص بمنأى عن الحياة الطبيعيَّة، ولا يقوم بتأدية واجباته وأعماله حتى خدمة نفسه، كما يجب.
ومن المتعارف عليه أنَّ النساء أكثر عرضة لهذا المرض مقارنة بالرجال، فطبيعة تركيب دماغ المرأة تختلف عن طبيعة تركيب دماغ الرجل، كما أنَّ المرأة تعمر أكثر من الرجل.
أول ما يلاحظ على الشخص المريض فقدان الذاكرة للأحداث القريبة، وعدم ترابط الكلام، ونطقه بشكل صحيح، فضلا عن تكرار الجمل، ووضع الأشياء في أماكن غير صحيحة، ونسيان أسماء أفراد الأسرة والمقرّبين منهم، وضعف بالوظائف الجسديَّة، والمهمات اليوميَّة، فضلا عن ذلك فقدان الذاكرة بين الحين والآخر، والضياع في الطرقات، وصعوبة في التركيز والتفكير، والخوف الشديد.
ومن أبرز الأسباب الدافعة للزهايمر هي الوراثة، كإصابة أحد أفراد الأسرة وبالدرجة الأولى الوالدين، كذلك لارتفاع ضغط الدم بشكل غير مضبوط آثاره السلبيّة على الدماغ، فضلا عن ذلك ارتفاع سكر الدم وفرط الكوليسترول، وزيادة التدخين، وعدم ممارسة الرياضة وخاصة رياضة المشي، وإهمال النشاط الذهني، كذلك عدم تنشيط الذاكرة في موضوع حفظ المعلومات، مثل حفظ الأشعار والأرقام وما إلى ذلك.
لذا، فإنّه على المحيطين بمريض الزهايمر أن يحددوا له وقتاً مناسباً للنوم والاستيقاظ قدر الإمكان، وتوفير جو هادئ للمريض، وعدم المبالغة في الرد عليه إثر سلوكه السيئ، فلا ننسى أنه تحت ضغط المرض ليتصرَّف هكذا. يجب إعطاء المريض وجبات صحيّة خفيفة وأكثر من المعتاد، لأنّه ينسى أنّه أكل، فضلا عن ذلك تقليل إعطائه السوائل، لأنّها قد تسبب له بعض المشكلات في التبول إذا كانت أموره غير سليمة من هذا الجانب. ومحاولة إخراجه من البيت، والاتجاه نحو الأماكن التي يحبها. وكذلك عدم عزل المريض فهو يعرف أن لديه مشكلة ما، فالعزلة تزيد من تراجع حالته، وتجعلها تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ويستحسن ممارسة بعض الهوايات كالرياضة، فهي تحد من تطور الخرف، وتحسن الوظائف الذهنية كالذاكرة والتفكير، وتسهم في تحسين المزاج، وتزيد من ثقة المريض بنفسه وكذلك رياضة المشي إذا كان المريض قادراً على السير، فيجب مرافقته في ذلك، لأنّه ربما لن يستطيع العودة، وكذلك العمل على تشجيعه للتواصل مع الآخرين، مما يساعده على التعبير عمّا في داخله، ويحد من حالتي القلق والتهيّج المرافق للمرض، ومحاولة تذكير المريض بنظافته الشخصية وبأسلوب هادئ، لأنّه يكون سريع الغضب والنسيان، وإذا رفض فلا يجب الإلحاح عليه بقوة، بل يجب تذكيره بذلك بعد وقت قصير.  
كما يجب عدم مناقشته بالصراخ، ويجب تأمين البرامج التي يحبها على التلفاز، كذلك عدم تنقل المريض بين بيوت أولاده، مما يسبب له المتاعب، فعندما يستقر في بيت أحدهم يكون قد تعوَّد عليه، ومن ثمّ يتم نقله إلى بيت آخر مما يجعله يقلق ويتعب ويصعب عليه التركيز، وما إلى ذلك.
في الحقيقة، لا يوجد علاج دوائي محدد لمرضى الزهايمر، فالعلاج الدوائي المثبّط له آثار سلبيّة، يجعل المريض لا يتكلّم، ويصبح مدمناً على الدواء، كذلك العلاج الدوائي يعطل التفاعل الاجتماعي لأنّه يجعل المريض في حالة كسل وعدم القدرة على التركيز.
كما أنّ للتغذية دوراً جيداً في تحسين وضع المريض، فيجب الابتعاد عن المنبهات والمواد التي تسبب في إدرار البول لأنّها ترهق المريض، وتفرض عليه القيام بأمور معينة، قد لا يحسن الاستجابة لها كما يجب.
ومن أهم الإجراءات التي تخفف عنه هو الرياضة، ولكن يجب استشارة الطبيب حول التمارين المناسبة للشخص لأنه سيكون في عمر متقدم بلا شك.
تنشيط وتحفيز الذاكرة، وهنا يحضرنا ما جرى لراقصة الباليه الإسبانية "مارتا جونزاليس" تلك المرأة العجوز، فقد كانت تعاني من الزهايمر، وعندما قام أحد الصحفيين بإسماعها موسيقى بحيرة البجع "لتشايكوفسكي"، التي كانت تؤدي الرقص عليها، وهي شابة، فماذا حدث؟ لقد راحت تحرِّك يديها وجسدها، وهي ما تزال جالسة على كرسيها المتحرك، فعلت هذا كما لو أنها تؤديها اللحظة على المسرح، هذا دليل على أننا بإمكاننا تحريك الذاكرة الراكدة في أعماق مرضى الزهايمر.
من الضروري زيارة الطبيب المختص، هذا مما يوفر فرصة عدم تقدم الحالة ومن ثم السيطرة عليها قدر الإمكان.  
كما أنه من الضروري اتباع نظام غذائي يشمل كل العناصر التي توفر حالة من الانسجام والراحة للجسم، وأهمها الفاكهة. كذلك الابتعاد عن التدخين وشرب المنبهات أيضاً، والابتعاد عن تناول السكريات والحلويات بشكل مفرط، وكذلك الابتعاد عن الزيوت المهدرجة، وتقليل تناول اللحوم وخاصة الفراخ التي تعطى مواد هرمونية لتكبر بسرعة، وتناول الخبز الذي يحتوي على النخالة، فالرغيف الخالي منها سيكون ساماً للجسم وقاتلاً له، وكذلك عدم تناول الأطعمة التي تدخل فيها المواد الكيميائية الملونة. وهذه الطريقة لا تخص مرضى الزهايمر بل كل الناس، فإذا بحثنا عن أسباب تزايد الأمراض، فإننا سنجد هذه الأمور في أول القائمة، أضف إلى ذلك عدم استخدام المنظفات ذات الروائح النفاذة مثل الكلور وغيره، كذلك عدم وضع الطعام وخاصة الحار في أكياس أو أوان بلاستيكية، واستخدام أواني "الستالستيل" بدل أوعية الألمنيوم.
بمعنى آخر العودة إلى تناول واستخدام الأشياء الطبيعيَّة هو الطريق الأسلم للتخلّص من كل الأمراض. من هنا يجب تعويد الأطفال على هذه الأنواع من التغذية وخاصة الابتعاد قدر الإمكان عن تناول الحلوى والأطعمة الملوّنة مثل الآيس كريم، والشبس والحلوى الملونة وغير ذلك.  من المؤسف أنّه لا تخلو أسرة من مريض آلزهايمر، وهذا يدل على سوء التغذية ضمن المواصفات الصحية الجيدة، مما يدفعنا للتأكيد على تغيير نمط الغذاء، فهو الطريق الأسلم نحو الصحة والعافية.