جامعة هارفرد.. والكذبات الثلاث

منصة 2023/12/20
...

 كامبريدج: زينة إبراهيم

ما إن تطل برأسك خارجاً من محطة مترو هارفرد سكوير Harvard Square، حتى يهب في وجهك صخب ساحة مكتظة بالناس، تتوسط عددا من بنايات جامعة هارفرد العريقة. طلاب وذووهم، كما تشي هيئاتهم، وكذلك مجموعات كبيرة من السياح، يتحلق بعضهم حول كشك صغير، على واجهته القرميدية اللون ثبتت لوحة: {جولة هارفارد}، Harvard Tour.

يتميز طلاب جامعة هارفرد، التي تأسست في العام 1636، أي قبل تأسيس الولايات المتحدة بنحو 150 عاماً، بتنوعهم العرقي والديني والثقافي، كما هي حال السياح القادمين من شتى أنحاء العالم، للاطلاع على معالم الجامعة عن قرب.


المحطة الأولى – بوابة جونستون 1889

شُيدت بوابة جونستون، وهي المدخل الرئيس للجامعة، في العام 1889. وما يميز هذه البوابة أنَّ الطلاب يدخلونها مرة واحدة في سنتهم الدراسية الأولى، ولا يخرجون منها إلا بعد حفل التخرج. ومن دون تشكيك يتوارث طلاب الجامعة التي تستقبل نحو 1700 طالب سنوياً، الاعتقاد السائد بأنَّ الخروج من بوابة جونستون قبل التخرج نذير شؤمٍ قد يحول دون الحصول على الشهادة الجامعيَّة.


فناء هارفرد – Harvard Yard

خلف بوابة جونستون يمتد فناء الجامعة على مساحة 22 فداناً، تتسامق على مرجه الأخضر أشجار البلوط العملاقة، وتحيط به 660 بناية شيُدت بالآجر الأحمر، بعضها قبل مئات السنين. ومن بينها مبنى ماساتشوستس هول Massachusetts Hall، حيث اختبأ جنود المقاومة الأميركيَّة ضدَّ الاحتلال البريطاني أثناء حرب الاستقلال. واليوم يضمُّ مكتب رئيس الجامعة.

البناية التي يشخص لون آجرها المصفر من بين صفوف المباني القرميديَّة هي وادزورث هاوس .Wadsworth House منها قاد أول رئيس أميركي، جورج واشنطن، جيشه أثناء حرب التحرير. واضطرَّ واشنطن للاختباء في حرم الجامعة لمدة خمسة وأربعين يوماً، عندما حاصر البريطانيون مدينة بوسطن التي تبعد نحو عشرة كيلومترات عن كامبرج.

تتضمنُ البنايات المحيطة بفناء الجامعة الأقسام الداخليَّة التي لا يمكن لغير طلاب السنة الأولى السكن فيها. وها هم يفترشون العشب الأخضر، منغمسين في كتبهم الدراسيَّة وشاشات هواتفهم وكومبيوتراتهم الشخصيَّة. بعضهم يتناولون وجبات الأطعمة الجاهزة على مقاعد حديد ملونة متناثرة في أبعاد الفناء. مساكن الطلاب هذه أقام فيها أدباء ومفكرون وعلماء وساسة أميركيون، مثل هنري ثورو، والدو إيمرسون، ويليام هيرست، جون كينيدي، هنري كيسنجر، بيل غيتس، جون آدامز.


جون هارفرد.. 

تمثال الأكاذيب الثلاث

ثالث أكثر التماثيل جذباً للزوار في الولايات المتحدة، بعد تمثالي الحرية في نيويورك، وإبراهام لنكولن في العاصمة واشنطن. لا يمكن للعين أنْ تخطئه، مع تدافع زواره للمس قدمه، وحرصهم على توثيق الحدث بصورٍ ومقاطع فيديو.

يجسد تمثال الكذبات الثلاث، كما يَطْلِقُ عليه طلاب الجامعة، شخص مؤسس جامعة هارفرد المفترض، جون هارفرد، جالساً على كرسي، واضعاً كتاباً مفتوحاً على فخذه الأيمن. وتحت التمثال المصنوع من البرونز، سُطرت معلومات تفيد بأنَّ هذا تمثال جون هارفرد مؤسس الجامعة عام .1638 وهنا مكمن المغالطات الثلاث.

1 - لم يؤسس جون هارفرد الجامعة، وإنَّما أسستها الهيئة التشريعيَّة التي كانت تحكمُ المستعمرة البريطانيَّة ماساشوست، باسم فيرست كوليدج First Collage.

2 - الكذبة الثانية أنَّ تأسيس الجامعة يعودُ الى العام 1636 وليس 1638 كما هو مكتوبٌ تحت التمثال. فجون هارفرد الذي تحمل الجامعة اسمه كان أول المتبرعين للجامعة. فقبل وفاته عام 1638 أوصى بإعطاء الجامعة كل ما كان يملك من كتبٍ وصل عددها إلى نحو 400 مجلد، وكذلك نصف ثروته التي كانت تعادل ميزانية عام من موازنة الولاية.

3 - أخيراً، فإنَّ الشخص المنحوت هو ليس جون هارفرد أصلاً. في العام 1883 عندما قرر المشرفون على الجامعة نصب تمثالٍ للرجل، كانت اللوحة الوحيدة التي تجسده قد احترقت، ولم يكن بمستطاع أحدٍ وصف ملامحه، فقرروا نحت التمثال على شكل شخصٍ آخر. 

التمثال بنيُّ اللون، لكنّ قدميه ذهبيتا اللون. وهذا لم يكن في حسبان النحات ضمن التصميم الأصلي للتمثال، إنما تكشّف لون البرونز جراء لمس ملايين الأيدي سنوياً لحذاءي الرجل. فالاعتقاد السائد أنَّ لمسك لقدم التمثال يجلب لك الحظ في الحصول على قبولٍ للدراسة في الجامعة التي لا تقبل أكثر من ثلاثة في المئة من طلبات المتقدمين. 


مكتبة وادنر Widener Library

في الجانب الجنوبي من فناء الجامعة، يجتذب نظرك صرحٌ معماريٌّ هائلُ الحجم، ذو أعمدة عملاقة، على طراز المعابد الإغريقيَّة. إنها مكتبة وادنر. كان هنري وادنر ابن عائلة ثرية، تخرج في الجامعة عام 1907 وكان شغوفاً بجمع الكتب وكان يحلم بإهدائها إلى هارفرد. 

في العام 1912، بعد اقتنائه كتباً من لندن، قرر العودة مع والده إلى الولايات المتحدة، فاستقلا أكبر وأشهر باخرة حينها: تيتانك. فابتلع المحيط الباخرة ومن كان على متنها، بمن فيهم هنري ووالده وكتبه. بعد غرقه، قررت والدته عام 1915 التبرع لبناء مكتبة في الجامعة تكون نواتها الكتب التي تركها ولدها هنري. واشترطت ألا تُهدم المكتبة أبداً، وألا يتغير طرازها المعماري، وأنْ تحتوي على حجرة خاصة يوضع فيها أثاث مكتب ابنها، وألا يدخل الحجرة أحدٌ غير عمال النظافة الذين عليهم أنْ يغيروا زهور المكتب يومياً.

وأغرب شروط والدة هنري أنَّ على كل طالب أنْ يتعلمَ السباحة، قبل التخرج في جامعة هارفرد، ليتفادى مصير ابنها. وفعلاً قبلت الجامعة الشروط كافة. وحتى عام 1977، كان على كل طالب من طلاب الجامعة أنْ ينجح في اختبار السباحة لكي يتخرج.

قد يكفيك يومٌ واحدٌ لتقصي فناء هارفرد ومكتبتها. لكنَّ زيارة بقيَّة أجزاء الجامعة التي تمتدُّ على 

نهر تشارلز، بملاعبها ومراكز 

أبحاثها وكلياتها ومتاحفها، قد تستغرق أياماً.