أحمد عساف
على خشبة مسرح القبّاني في العاصمة دمشق عرضت مسرحية «حكاية الأميرة نورا» من تأليف جوان جان، وإخراج سهيل عقلة.
العرض الذي كان برعاية كلا من وزارة الثقافة، ومديرية المسارح والموسيقى، ومسرح الطفل بدا مختلفا عن الكثير من العروض المسرحية التي قدمت للأطفال من حيث حبكة النص، ودلالته الحكائية والمشهدية البصرية، واختزال الوقت وتكثيفه، برغم من أن زمن عرضه استغرق ساعة واحدة.
و»حكاية الأميرة نورا» هو عمل مسرحي مغاير لما يقدم عادة لمسرح الطفل، فكثيرا ما كنا نشاهد الصراع الذي يقوم بين الخير والشر، وينتصر الخير في النهاية. إذ تتكرر هذه المقولة في أعمال مسرح الطفل في سورية، وإن اختلف الطرح وتبدلت الشخصيات، بينما هذا العرض يقدم مقولته عبر لغة وخطاب هادف بلغة عربية فصحى متقنة جدا من قبل الممثلين، سواء كان من الأطفال أو الكبار.
اُستثنيَّ هنا العمل الشيق والجميل في مسرح الأطفال، الذي قدم منذ سنوات بعنوان: (فلة والأقزام السبعة ) تأليف هشام كفارنة، وإخراج بسام حميدي.
وبالعودة إلى مسرحية «حكاية الأميرة نورا» نجد عرضها مختلفا عن الأعمال التقليدية الموجّهة للأطفال، لما فيه من ابتكارات واشتغالات على طاقات الفنانين التعبيرية سواء بالجسد أو بتعابير الوجه والصوت، وسلامة اللغة الفصحى، وسلاسة مخارج الحروف، وبنية النص بالمزامنة مع السينوغرافيا التي نجحت في التناغم مع اللغة البصرية ومتانة النص ورؤية المخرج.
تتناول المسرحية أميرة تدعى نورا، تصاب بمرض يجعلها تمتنع عن الطعام والشراب، ويعجز الأطباء عن إيجاد دواء لها، فيلجأ والدها الملك: (سهيل عقلة) وأخوتها الأمراء الثلاثة، إلى رجل حكيم معروف بحكمته ومعرفته الواسعة بالطب وعلم الفلك، فضلا عن خبرته المعرفية والحياتية. فيقول لهم: «إن الأميرة لن تشفى، إلا إذا أدخلوا السعادة، إلى قلب شخص حزين، شرط أن يتمكن هذا الرجل بدوره من نقل هذه السعادة إلى أشخاص آخرين».
فيذهب الأمراء الثلاثة للبحث عن أناس بؤساء وحزانى، الأمير الكبير يلتقي برجل صاحب دكان أقمشة، «يولول» ويبكي نادبا حظه العاثر، وفراغ دكانه من الأقمشة، ويعترف للأمير بأنه كان يغش زبائنه ويعاملهم بقسوة. يعده الأمير بتزويده بالمال ليضع بها الأقمشة في دكانه، ويشترط عليه عدم الغش وإسعاد الناس. لكن التاجر يعود للغش.
أما الأمير الوسط فيلتقي بامرأة تبكي وتنوح، فيسألها عن سبب حزنها، فتقول له إن «زوجها طلقها وطردها من المنزل». ثم يعدها الأمير بأنه سيهديها بيتا وخادمة شرط أن تحسن معاملة الخادمة واسعادها، لكنها تقسو كثيرا على الخادمة. ومع فشل الأمير الأول والثاني.. تبقى الفرصة الأخيرة للأمير الصغير.
في الوقت الذي ينجح فيه الأمير الصغير (شادي جان) حين يلتقي مع طفلين لديهما مشروع مسرحي مستوحى من عوالم طفولتهم، الطفل أسامة (حمزة عقلة) الذي يطمح لتقديم كتابته لمسرحية إلى الجمهور، ومعه صديقته سلوى (آيات الأطرش) التي تحلم بإخراج مسرحيات صديقها أسامة. يقول لهم الأمير الصغير إن نجحتم عبر مسرحيتكم وأدخلتم السعادة إلى قلوب الناس، سيهديكم الملك مسرحا تقدمان فيه أعمالكما، يفرح أسامة وكذلك سلوى فيقومان بإحضار دمى متحركة ويدور بين الدمى حوار شيق وجميل يحقق السعادة للجميع.
وهنا سنجد ميزة إدخال مسرح داخل المسرح، حيث يتم تحضير إكسسوار مسرح الدمى، ويقوم الطفل أسامة (حمزة عقلة) مع صديقته المخرجة سلوى (آيات الأطرش) بتقديم مشهد مسرحي باستخدام الدمى، والاشتغال عليها بكثير من النجاح.. مشهد ينال اعجاب الملك والملكة، والأميرة نورا (نجاح عقلة)، التي تنهض من غيبوبتها وتشفى من مرضها.
هنا يقوم الملك بإهداء مسرح لأسامة وصديقته سلوى، ليقدما عليه مسرحياتهما ويحققا السعادة للجميع.
سينوغرافيا العرض ناجحة جدا، وحققت شرط المعادل البصري مع المعرفي، لتحقيق توازن متقن بين نص المؤلف جوان جان. وبين رؤية المخرج: سهيل عقلة، الذي قام بأداء دور الملك. وكان هناك هارموني جميل حقق التوازن بين الممثلين الأطفال والممثلين الكبار، لدرجة أننا لم نشعر أننا أمام عرض مسرحي، بل أمام حكاية عائلية، خصوصاً وأن الأميرة (نورا) أصغر ممثلة في العرض، والطفل أسامة هم أبناء المخرج، والأمير الصغير (شادي جان) هو ابن مؤلف المسرحية، وهذا اسهم في نجاح العرض المسرحي.
وبالتالي، فإن حكمة المسرحية ترى أنه لا يمكن أن تكون هناك سعادة حقيقية، إن لم تشمل الجميع، ولا يمكن للفرد أن يشعر بسعادة حقيقية، إذا لم يتمكن من نقل هذه السعادة إلى أشخاص آخرين.
خاتمة المسرحية كانت أغنية من كلمات الأديبة فاتن ديركي، وهي أغنية هادفة بلغة شيقة ورشيقة ولحن عذب، غناها وصفق لها الممثلون كباراً وصغاراً، ونحن الجمهور أيضاً كباراً وصغاراً.. صفقنا لهم طويلاً..