هل ستزهر الأرض وينبت الحب؟

منصة 2023/12/24
...

 غفران حداد


في كل عام كانت فرحة الأعياد واستقبال رأس السنة الميلادية الجديدة حاضرة وبقوة، رغم الأيام العصيبة التي يعيشها اللبنانيون خصوصاً من بعد الأزمة الاقتصادية التي تلت ثورة اكتوبر/ تشرين الأول 2019، كانت معظم الأمهات من الديانتين المسيحية والإسلامية، يستعدن بين شراء الهدايا وتحضير أطباق الميلاد وتجهيز شجرة الكريسماس وتزيينها بالنجمات المضيئة والكرات الحمراء وتحضير ملابس الأطفال الخاصة بزي بابا نؤيل محاولة منهن لرسم الابتسامة على وجوه أطفالهن. لكن ملامح الحزن والفقر والخوف من شبح الحرب القائمة جنوب لبنان ضد العدو الإسرائيلي والارتفاع المستمر لغلاء أسعار البضائع بأنواعها خطف أضواء الميلاد وترانيمه، حتى ساحات بيروت الرئيسة تكتسي بزينة خجولة، فكيف لبيروت أن تفرح والغزاويون يقتلون؟ وكيف للطفل اللبناني أن يغني أغنية العيد والطفل الفلسطيني يقتل او يعيش ميتاً مع فقدان أفراد عائلته، ومع ارتفاع سعر صرف الدولار إلى ما يقارب من 100 ألف ليرة وهو سعر قياسي تاريخيا لليرة اللبنانية ازداد ألم اللبنانيين من تضخّم الأسعار وأصبح الاحتفال بعيد الميلاد المجيد وبليلة رأس السنة والتجهيز لهما  من الكماليات.

أصبح حديث العائلة اللبنانية كيف نؤمن قوت يومنا؟ وكيف يمكن التموين الغذائي للحرب إن توسعت في جميع مدن البلاد.

ليلة الميلاد كانت وما زالت مناسبة عائلية تجمع الجميع حول سفرته العامرة بالمأكولات وحلويات الصِّغار وشجرة الكريسماس تزيِّن إحدى زوايا المنزل، بيروت اصبحت مدينة أشباح لا سياح سيضيئون شوارعها ومطاعمها وأماكن الترفيه فيها، واليوم في ظل اصدار بيانات السفارات لمعظم الدول بتحذير رعاياها من السفر إلى لبنان أصبحت حركة المسافرين والتسوق فيها شبه معدومة وكيف سنحتفل بوجود ضيوف بيروت في ظل تحليق طيران العدو الاسرائيلي فوق غيومنا وقصف مدننا ومزارعنا في الجنوب؟ 

في مثل هذه الأيام من كل عام، كانت بيروت باريس الشرق.. ستُّ الدنيا وشاغلة الناس، تشهد ازدحاماً للسير بين حركة المشترين والمغتربين والسائحين والشوارع تفيض بالسيارات التي تستمر حتى ساعات متأخرة من الليل والأسواق بالمشاة، أما اليوم فلا توجد أرواح تضيء الأمكنة، ولا قرى ميلادية ومهرجانات محلية تجذب الناس لتباع لهم المنتوجات القروية والحرفية المتعددة، أو تقدم الأنشطة الترفيهية اليومية للأطفال، التي كانت تبدأ مع حلول شهر كانون الأول وحولها خيم الأسواق وأكشاك الأكلات لرسم الفرحة على وجوه المحتفلين.

كنا نتمنى أن يحلَّ الكريسماس هذا العام ويحلُّ السلام في قلوب البشر وتغيب الحروب ويغني معه الكبار والصغار لحناً جميلاً: "ليلة الميلاد يمحى البغض/ ليلة الميلاد تزهر الأرض/ ليلة الميلاد تبطل الحرب/ ليلة الميلاد ينبت الحب".

ولكن كيف للشعوب أن تحتفل بالميلاد وتعيش السلام، وهنالك قادة تعشق الحرب، تعشق الانتقام واستباحة الدم وتسعى للثأر، يبدو أن عالمنا اليوم جائعاً للسلام وكلمات المسيح المولود في بيت لحم بعيدة كل البعد عن أذهان اصحاب القرار الذين لم يأخذوا بتسامحه الذي ملأ الأرجاء. 

لِمَ لا نتسامح ونفتح قلوبنا للمحبة والنور ونرحم بعضنا البعض مع قرع أجراس عيد الميلاد؟ لماذا يكون الاحتفال بعيد الميلاد المجيد عيد مولد النبي عيسى عليه السلام مجرد طقوس وزينة وتبادل هدايا من دون التمسك بمضمون هذا الميلاد، من التمسك بالمحبة والسلام والتسامح بعيداً عن الظلم والاضطهاد والقتل والتهجير، بعيداً عن غلاء الاسعار ليكون بعضنا ثريا على حساب آلاف الجياع، لنرفع صوتنا في عيد الميلاد المجيد ونضيء قلوب الآخرين بالحب والجُود، لنتمسك بأغصان الزيتون ونقول لا للحروب، لا للتجويع لا لزيادة اعداد الفقراء، لنقرع أجراس الميلاد معلنة فرح الميلاد ونشع اضوائها بالمحبة والسلام ونبتهل قبل أن نحتفل بالتوبة والاستغفار ليغفر الله لنا شر معاصينا، ليعود الإنسان إلى إنسانيته فالميلاد الحقيقي هو التخلي عن الضغينة والحقد. الميلاد الحقيقي أن نزرع المحبة، أتمنى للبشرية في كل مكان ميلاد مجيد وحلول رأس السنة الميلادية المجيدة والفرح يملأ العيون ونبضات القلوب وكل عام وأنتم بألف خير.