ديفيد روبسون
ترجمة: مي اسماعيل
هناك العديد من الهفوات التي قد يقع فيها المرء عند شراء الهدايا؛ بدءا من البحث عن رد فعل فوري للمتلقي حتى التخوف من ردة الفعل العاطفية. لكن بعض المبادئ النفسية البسيطة يمكن أن تساعد على اتخاذ خيارات أفضل.
قد تبدو فترة الأعياد والعام الجديد محنة للبعض، وهم يحاولون البحث عن الهدية المناسبة للأقرباء والأصدقاء. ومهما كانت درجة معرفتنا بالآخرين؛ نحاول التأني لمعرفة أمانيهم ورغباتهم المستترة، وقد يبدو كل اختيار إمتحانا لمتانة العلاقة معهم.
وهذه نتيجة طبيعية لعمل دماغ الانسان؛ فقد يكون البشر فريدين في قدرتهم المتقدمة على استيعاب وجهات نظر الآخرين؛ رغم أن تبني وجهات النظر أمر مرهق للغاية لخلايا أدمغتنا. يرى البروفسور «جوليان جيفي» من جامعة ويست فرجينيا ان استشفاف وجهات نظر الآخرين أمر يحتاج لطاقة ذهنية عالية؛ ونتيجة لذلك تصبح إختياراتنا للهدايا عرضة للخطأ. درس باحثون مثل جيفي مجموعة من التحيزات المعرفية التي تقود أحكامنا إلى الضلال؛ بحيث نهدر أموالنا ونخسر فرصا أكبر للتواصل الاجتماعي. ولكن لحسن الحظ يمكن أن نتعلم فن تقديم الهدايا المستند إلى العلم، ومن خلال التعرف على الأخطاء الأكثر شيوعا؛ يمكننا تحسين خياراتنا لتحقيق أكبر قدر من الرضا لمن نحبهم.
التفكير في ما وراء اللحظة
تأتي بعض أخطائنا من قصر النظر؛ حين يركز مقدم الهدية على اللحظة الآنية للتبادل، مفكرًا بهدية تثير أكبر رد فعل فوري، حتى لو كانت المتعة قصيرة الأجل. لكن المتلقين يميلون للشعور بامتنان أكبر للهدايا التي تجلب لهم متعة طويلة الأمد. تقول البروفيسورة «أديل يانغ» من جامعة سنغافورة الوطنية: «هناك فجوة طبيعية في المنظور» نسميها «فرضية البحث عن الابتسامة»، ولها دلائل قوية عبر سلسلة من الدراسات الاستقصائية. ومثال على ذلك نزوع البعض لتقديم باقة ورد حمراء في عيد الحب؛ قد تبدو مبهرة حينها، لكنها تفقد بريقها بسرعة. وقد يرغب المتلقي بدلا عنها بنبتة منزلية تُعمّر طويلا. وللتخلص من هذه الهفوة يمكن ان يسأل المرء نفسه: هل سأختار ذات الهدية لو كنتُ سأُرسلها بالبريد؟ وجدت يانغ أن الاختيارات تكون أفضل اذا عرف المُهدي انه لن يكون موجودا عند تقديم الهدية، ولن يشهد ردة الفعل الآنية للمتلقي. وهناك جانب آخر للموضوع؛ إذ يجعلنا التركيز على لحظة الإهداء نقوم بهفوات اخرى؛ حين يذهب البعض بعيدا بدل تقديم ما يعرفون ان المتلقي يرغب به فعلا. يقول البروفسور «جيفري غالاك» من جامعة كارنيجي ميلون: «الهدايا المُفاجئة قد تسبب مشكلة؛ خاصة إذا جاءت من شخص مقرّب. فقد تحصل على ما لا ترغب به، ولا يمكنك عمل شيء تجاه ذلك».. ومن الدلائل هنا- تزاحم الهدايا في منازلنا
المعرفة بالشخص وليس الهدايا المادية
يمكن أن تفسر فرضية «البحث عن الابتسامة» أيضا سبب تفضيلنا لشراء الهدايا المادية: على سبيل المثال، ساعة أو قلادة جديدة فاخرة مقارنة بتذاكر الحفلات الموسيقية أو دروس الطبخ. إذ يفرح المُهدِي بتقديم شيئ كبير ولامع؛ رغم ان التجارب الجديدة المثيرة تجلب سعادة أكبر، وتبقى ذكريات تلك التجارب لفترة أطول بعدما تفقد الهدية المادية بريقها الأولي؛ كما يقول غالاك: «إذا كنت تريد تحسين اختياراتك للهدايا، فأنت ترغب بتقديم أفضل ما يمكنك تقديمه؛ لكن هذا قد لا يخدم المتلقي» .
لا تفكر بالسعر
تتمحور الهدية بالنسبة للكثير من الناس حول بطاقة السعر؛ إذ يدفع البعض أقصى ما يستطيعون مُعتقدين ان الكلفة تعكس تقديرهم لذلك الشخص. ومع ذلك، تشير الأبحاث النفسية إلى أننا نبالغ إلى حد كبير في تقدير أهمية القيمة النقدية، كما يقول غالاك: «الحقيقة أن التكلفة ليس لها علاقة تذكر بمدى جودة تلقي الهدية». كما أننا غالبا ننفق أموالنا مع الأشخاص الأثرياء بالفعل أكثر من الفقراء الذين قد يكونوا في حاجة أكبر للقليل من الرفاهية. تزيد إمكانية المقارنة الاجتماعية عادة من انشغالنا بالسعر؛ إذ نشعر بالقلق من أن السخاء المبهرج الذي يقدمه آخرون قد يلقي بظلاله على مساعينا. ويرى كلٌّ من غالاك وجيفي ان بعض الناس قد يتوقفون عن تقديم الهدايا تماما إذا اعتقدوا أنهم لا يستطيعون مواكبة «المنافسة». لكن الواقع ان القيمة النسبية للهدايا التي يقدمها الناس لا تُحدِث فارقا كبيرا في الطريقة التي يُنظر بها إليهم؛ إذ يكون اعتبار كل هدية على أساس مزاياها الخاصة؛ كما يقول غالاك: مخاوفنا» لا تؤثر في المتلقين.. إنهم سعداء فقط بالحصول على هدية».
تجاوز منظورك الذاتي
في بعض المواقف، قد نتأثر بمشاعر الحسد تجاه المتلقين أنفسهم.. تخيل أن صديقا عزيزا طلب نظارات شمسية جديدة لعيد الميلاد، وأنك وجدت نظارة أنيقة تعلم أنها ستعجبه؛ لكنها ستجعل نظارتك الخاصة تبدو غير عصرية بالمقارنة مع اختياره. في مثل تلك المواقف، يعمد البعض أحيانا لإختيار هدية ذات جودة أقل؛ مُفضلين المخاطرة بإحباط المتلقي بدلاً من إثارة مشاعر الغيرة في أنفسهم! وقد تكون رغبتنا في الشعور بالتميُّز عائقا أيضا؛ فقد تعلم أن صديقك يتوق للحصول على سلعة ما تمتلكها انت، وهي لا تتوفر كثيرا. وعندما تجد تلك السلعة معروضة في أحد المواقع عبر الإنترنت، وهي قد تكون الهدية المثالية لذلك الصديق؛ لكنك تريد أن تظل الشخص الوحيد الذي تعرفه والذي يمتلك تلك السلعة المرغوب فيها. وإذا اشتريتها وقدمتها لشخص آخر فلن تشعر بالتميّز بعد الآن. وتبعا لذلك فإنك تختار هدية مختلفة تماما؛ هدية لا تولد الكثير من الامتنان. هنا يقول جيفي: «نحن نفكر ان تقديم الهدايا عمل من أعمال الإيثار؛ ولكن تلك الدوافع التي تخدم الذات يمكن أن تلعب دورا».. ومن خلال التغلب على هذه الأنانية، يمكننا اتخاذ خيارات أفضل بكثير
- صحيفة الأوبزيرفر البريطانية