الفيتو في قرارات مجلس الأمن

آراء 2024/01/08
...

  زهير كاظم عبود

البشر توّاقون للتعاون من أجل إيجاد صيغ للتعاون والتواصل واخماد نيران الحروب وترصين سبل السلام والحوار والعيش في ظل حياة آمنة ومستقرة، وفي سبيل تحقيق تلك الغايات كان لا بد من قيام تنظيمات تتشارك بها الحكومات لإيجاد صيغ مشتركة وحلول وأدوات مشاركة لتقنين قواعد الحروب، وإيجاد جهات ومراجع للتحكيم وحل النزاعات بين الدول،.
ولهذا فإن هناك محاولات عديدة لصيغ التفاهم والتعاون في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ففي العام 1865 تم قيام منظمة دولية للتعاون بين عدد من الدول للتعاون في مجالات الاتصالات والبرقيات وقيام اتحاد البريد، وفي العام 1874 تم قيام اتحاد البريد العالمي، وفي العام 1899 عقد في مدينة (لاهاي) مؤتمر للسلام الدولي لتقنين قواعد الحروب ومنعها وتسوية الازمات، وفي العام 1902 تم اعتماد اتفاقية التسوية السلمية للمنازعات بين الدول وتم إنشاء محكمة التحكيم الدائمة، واستمر التعاون الدولي في تطوير تلك الاتفاقيات والاتحادات لإيجاد صيغ أكثر واقعية وترفد استقرار الحياة لبني البشر، وفي العام 1919 وبعد الحرب العالمية الأولى تأسست (عصبة الأمم) بموجب معاهدة فرساي لتحقيق السلام والأمن الدوليين.
وعلى أعتاب وشيكة لنهاية الحرب العالمية الثانية، وهي الحرب الأكثر قسوة وتدميراً على المستوى الإنساني، وبعد أن شعرت الحكومات حقيقة المعاناة الإنسانية التي خلفتها الحرب، ولشعور الشعوب بأهمية السلام والأمن على كل البشر على امتداد الأرض، كان لا بدَّ من وجود تنظيم أو تجمع أو توافق دولي يحقق هذا الشعور، كانت هناك لقاءات واجتماعات وحوارات حول هذا المنحى الإنساني، برزت الحاجة بشكلٍ ملحٍّ وضروريٍّ لإيجاد صيغة مشتركة بين الأمم التي دعت إلى ذلك، وفي 26 حزيران من  العام 1945 اجتمع من يمثل 50 دولة في (سان فرانسيسكو) بكالفورنيا، وعلى مدى شهرين من المناقشة والحوار بوشر بصياغة ميثاق دولي يحقق الطموح الإنساني في توفير السلام العالمي وإيقاف نزيف الحروب بين البشر ويضمن الأمن الدولي، وعلى مدى أربع أشهر تم الشروع بطرح الصياغة القانونية للأمم المتحدة للتوقيع والموافقة عليه، وبدأت الحكومات توافق وتوقع على المشروع المذكور تباعا، اتفقت معظم دول العالم على قيام منظمة جديدة توفر سبل الأمن الدولي وتحقق السلام العالمي، ظهرت المنظمة إلى الوجود الفعلي رسميَّاً بتاريخ 24 تشرين الأول 1945، وكان من بين الموقعين على الاتفاقية كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية، كما ضمت الاتفاقية موافقة الصين الشعبية وبريطانيا وفرنسا، وبدأ العمل رسميا بهذه المنظمة التي كانت محط أنظار المجتمع الدولي في تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها.
وفي سبيل تحقيق الأهداف التي قامت المنظمة من أجلها تم تقسيم عمل المنظمة وفق مقاصدها وفروعها، والتعاون الاقتصادي والاجتماعي بين الأعضاء، ومن دون الدخول في التفاصيل الفرعية الدقيقة لعمل المنظمة وعمل الجمعية العامة وصلاحياتها، أفرد الفصل الخامس من ميثاق الأمم المتحدة فصلا خاصا لمجلس الامن، حيث جاء في المادة 23 منه على أن مجلس الامن يتألف من خمسة عشر عضواً ويتكوّن من أعضاء دائميين هم كل من جمهورية الصين، وفرنسا، واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، والولايات المتحدة، وتنتخب الجمعية العامة عشرة أعضاء آخرين من الأمم المتحدة ليكونوا أعضاء غير دائمين في
المجلس.
غير أن الميثاق منح للأعضاء الخمسة الدائميين في مجلس الامن حق نقض أي قرار دولي من دون إبداء الأسباب، وهو ما يطلق عليه (الفيتو) الذي يعدم القرار في حال عدم موافقة واحد من الأعضاء الخمسة، وهو أمر يثير الدهشة والتعارض مع نصوص الميثاق الذي يتساوى فيه الاعضاء، وحق الفيتو لا يجعل للأكثرية التي توافق على قرار ما أي قيمة في حال رفض أي من الأعضاء الخمس له، ومثل هذا الحق لا يدعم أي منطق أو ينسجم مع الأهداف النبيلة ومقاصد الأمم المتحدة، والأغرب من كل هذا أن الهيئة العامة لم تجرؤ على مناقشة تعديل هذا النص أو الحوار حول ما يحقق من سلبية وتقييد لتحقيق الأهداف ولا يدعم الاستقرار الدولي، ومع أن هناك نصّاً قانونيّاً يلزم جميع الأعضاء بقبول قرارات مجلس الامن وعليهم تنفيذها، الا أن الواقع غير ذلك، ولم تتمكن المنظمة الدولية إلزام دول أعضاء على تنفيذ قراراتها، مما جعل عملها شكلياً ويمكن استغلالها من عدد من الأعضاء لتنفيذ سياساتها.
إنَّ منح الدول الخمس دائمة العضوية حق النقض يتنافى مع مبدأ التصويت للأغلبية، ويتقاطع مع مبدأ الديمقراطية في العمل السياسي والجمعي، وبالرغم من أن هذا النص يمنح امتيازا لعدد من الدول ويحرم الآخرين منه، فإن الجمعية العامة لم تنتخب هذه الدول لتميزها عن غيرها، كما دلت جميع التجارب الإنسانية منذ تأسيس الأمم المتحدة وحتى اليوم أن مثل هذه القرارات لم تسهم في دعم عملية السلام ونبذ الحروب والدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان،  وكان يفترض وعلى أقل تقدير أن يتم تعديل النص الذي يمنح خمسة أعضاء حق الفيتو، أن يتم توسيع العدد ليشمل أعضاء آخرين، فهناك دول نمت وتوسّعت وازدهرت خلال العقود الماضية كان لا بدَّ لها أن تحتل مكانتها التي تليق بتطورها والتزاماتها الإنسانية أن تكون من بين الأعضاء الدائمي العضوية، وان تأخذ الجمعية العامة على عاتقها وبشكل جاد مناقشة حق الفيتو وإيجاد طرق ووسائل تعالج هذا الحق الممنوح من دون وجه حق.
ويبدو أنَّ عدم التزام أعضاء من الدول بالقرارات التي تصدرها الجمعية العامة أو مجلس الأمن تمثل نوعا من الاستهانة والاستخفاف بالقرارات الدولية، غير أن الغريب والمثير بأن مثل هذه الدول لم تتم محاسبتها أو طردها لمخالفتها شروط العضوية أو نصوص الميثاق، والمتابع يلاحظ كثرة القرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة ضد دولة الكيان الصهيوني، والتي لم تجد لها استجابة أو تنفيذاً من قبل تلك الدولة، ولم تزل تعربد وتهدد وتتحدى المجتمع الدولي، ما يجعل المنظمة الدولية لا تحقق الأهداف النبيلة التي قامت عليها في دعم عملية السلام ونبذ الحروب، ومثل هذا الامر يجعل المجتمع الدولي ثقته مهزوزة بما يصدر من الهيئة، إذ عليها أن تعيد النظر بنصوص ميثاقها، وان تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي يفرضها الزمان، وأن تكون أكثر حزماً وشجاعة في تشخيص الأخطاء والأخطار وأن تسمي الدول الأعضاء وفقا  لذلك.