روان العناني: ملائكة غزَّة الملوّنة

منصة 2024/01/08
...

  رندة حلوم

كرّست الفنانة التّشكيلية المغتربة في كندا روان نبيل العناني في أعمالها - المعبّرة عن هويتها الفلسطينيّة، وعن انتمائها لهذه الأرض عبارة محمود درويش "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" إذ حملت وجه فلسطين الجميل إلى العالم، بأسلوب خرجت به عن ثيمة المشهديّة السّائدة في غالبية التّشكيل الفلسطيني الملتزم، وعبّرت بطريقتها عن مفهوم الأرض المحتلة والهويّة المغتصبة.
ولدت الفنانة في القدس عام 1978، وأتاحت لها نشأتها في رام الله أن تحمل معها أماكن ومشاعر الطّفولة والصّبا إلى العالم،  فقد عمدت إلى شحن لوحاتها بالفرح المزركش بالألوان الجريئة المبهجة المتفجّرة بالطّاقة، وكأنّها أرادت أن تقول للعالم: نحن شعب فلسطين الذي خلق ليحيى، فعمدت العناني في كلّ لوحاتها إلى استمطار فكرة قيامة فلسطين عبر بث الروح في تكوينات خطيّة ولونية ناطقة بالأهازيج، عامرة بالحركة، عابقة برائحة البرتقال "اليافاوي" الخصب، ورمزيٌة شجرة الزّيتون، كما ضمّنت الفنانة تشكيلها الباذخ الكثير من صور الحياة لشعب فلسطين، كالقطاف الجماعي لموسم  الزّيتون، وحفلات الأعراس، والسّوق، والحي، والبيارات، والزّي الشّعبي، والمدن الفلسطينية، والأغاني، والأشعار.  
كان محمود درويش وفيروز ومارسيل خليفة حاضرين في أعمالها عبر استخدام الحروفية في كتابة مقتطفات من أعمالهم (يا بحرية)، (اعطني الناي وغني)، (إني اخترتك يا وطني)، (على هذه الأرض ما يستحق الحياة)، فالفرح يتسرب من كل مسام اللّوحة بواقعيتها التعبيرية ورمزيتها المتوهجة بالفعل الإنساني الحضاري، كما أنّها حافظت على الموروث الشعبي الفلسطيني الموسيقي وارتفع صوته في الفضاء التشكيلي الباذخ، فعلى أغنية  "الدّلعونا" رقّصت ودبّكت النساء في لوحات حيّة بتطريز من الحروفية المائلة إلى بساطة الخط وطفولته نقشت على الثوب الفلسطيني أغنيات مثل: "على دلعونا على دلعونا/ زيتون بلادي أحلى ما يكونا/ يا بنت بلادي ارفعي الرّاسي/ واحكي حكايتنا لكلّ النّاسي"، وفي لوحة أخرى أغنية من التّراث الفلسطيني "وين ع رام الله"، وغيرها الكثير.
 تسيّد الثّوب والزّي الشّعبي الفلسطيني المشهد التّشكيلي للفنانة، فأظهرته مطرزاً بالخيط والألوان الزّاهية مزخرفاً، كما كان للشجرة رمزيتها الكبيرة فهي ابنة الأرض، وهي الثّبات والصّمود والتّمسك بالجذور بالمكان.
لقد أظهرت العناني عبر أعمالها الإرث العمراني للمدن والأحياء الفلسطينية العامرة بالقباب والأقواس، وكانت حريصة على ذكر المدن الفلسطينية في عنوان بعض اللوحات مثل: (عكا عروس البحر)، (طولكرم)، (ملائكة غزة)، (مدينة السلام)، (بيتي يافا)، وغيرها.  
تربت العناني في بيت فني تعلّمت فيه أبجدية الفن التّشكيلي، فوالدها  الفنان نبيل العناني، لكن الابنة أخذت خطها الخاص والواضح في التّشكيل، وابتعدت عن تصوير مأساة الاحتلال بالطّريقة التي مشى عليها أغلب الذين تناولوا قضيّة فلسطين، فاختارت لنقل رسالتها إلى العالم مفردات غير الدّم والرّصاص والهدم والنّزوح واللّجوء، فآلة الحرب كانت خارج إطار تشكيلها، لأنها أرادت الابتعاد عن السّوداوية في تصوير الواقع، مع أنّها عاشت الانتفاضتين الأولى والثّانية في فلسطين.