العراق يقتربُ من طي صفحة الاستيراد
نافع الناجي
بالرغم من التأخر النسبي والظروف المتشابكة التي شهدتها البلاد، بات العراق يقترب من إنجاز عشرات المشاريع النفطية والمصافي التخصصية، التي بإمكانها تحقيق الاكتفاء الذاتي لمختلف المشتقات والمنتوجات النفطية، وبالتالي توفير مليارات الدولارات التي كانت تنفق في كل عام، لتوريد هذه المشتقات من دول الجوار كالبنزين وزيت الغاز وغيرها.
تقادم المصافي
الخبير في شؤون النفط والطاقة علي نعمة، قال لـ(الصباح)، إن "معظم المصافي العراقية تعاني من القدم، ولذلك فإن إنتاج هذه المصافي تكون في غالبيتها منتجات ثقيلة، وحتى مادة البنزين التي تنتجها المصافي العراقية تكون منخفضة الأوكتان بمعنى تضخّ كبنزين عادي في محطات التعبئة وربما أسوأ، يعني الأوكتان ما بين 80- 86".
وأضاف "كما هو معلوم فالسيارات الحديثة كلها تحتاج الى بنزين محسّن أو عالي الأوكتان (أكثر من 95)، فهذه النوعيات من البنزين التي ينتجها العراق من مصافيه لا تتلاءم مع احتياجات العراق، وبالتالي سببت احتياج البلاد لاستيراد بعض المنتجات نتيجة لزيادة الطلب".
نفوطٌ حامضيَّة ثقيلة
ولا يعود الأمر فقط لتهالك المصافي وتقادمها، كما يلفت الخبير علي نعمة وإنما كنتيجة لنوعية النفوط العراقية التي تكون في غالبيتها نفوط حامضية ثقيلة أو متوسطة، ويضيف "أغلب النفوط العراقية هي متوسطة أو ثقيلة، ولا سيما نفوط البصرة، ولعل أحسن أنواع النفط عندنا هو نفط كركوك، الذي يصل الى حدود 35- 36 IBM، في مقابل بعض النفوط العالمية التي تصل الى 40 أو أكثر في دول العالم".
ولفت نعمة الى أن "استخدام هذه النفوط الحامضية المتوسطة او الثقيلة في مصافي هي أساساً مصافٍ متقادمة، فلا يمكن أن يكون إنتاجها بطبيعة الحال مثل المصافي الحديثة والمعقدة الموجودة حالياً في دول العالم المتقدمة، وبالتالي تكون غالبية منتجاتها من المنتجات الثقيلة". وتابع "لذلك نجد أن هناك كميات كبيرة من النفط الأسود الذي تنتجه هذه المصافي فائضة عن حاجة العراق، وبالتالي يتم تصديرها بمقابل المنتجات الخفيفة، التي يتم استيرادها لتعويض النقص في الطلب الذي يتضاعف بشكلٍ كبير نتيجة الاستيرادات العالية للسيارات والمولدات والشاحنات".
مصافٍ نوعيةٌ حديثة
ومع قيام العراق بافتتاح بعض المشاريع أو وضع حجر الأساس لمشاريع جديدة ذات التكنولوجيا المتقدمة، كمصفى الفاو ومصفى كربلاء ومصفى النجف وغيرها من المشاريع، تتطلع البلاد لتغيير هذه المعادلة والشروع بتحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات النفطية ومشتقاتها، كوقود زيت الغاز للسيارات والنفط الأبيض والغاز السائل وتقليص الحاجة الاستهلاكية من وقود البنزين العادي والعالي الأوكتان.
حيث يؤكد حيدر الحسيني مدير مصفى كربلاء، انفراد المصفى بميزتين هما كمية المنتجات الخفيفة التي يحتاجها البلد ونوعية المنتجات، وأوضح الحسيني لـ (الصباح)، إن "ما يجب التركيز عليه هو نوعية المنتج، لأن مصفى كربلاء ينتج مشتقات من فئة يورو 5 وهي أفضل من المستورد من خارج العراق، وبالتالي فهذا المنتج يعطي إضافة جيدة لوزارة النفط".
منتجاتٌ بيضاء
وتابع "الهدف من بناء المصفى هو تعظيم المنتجات البيضاء، وأهمها البنزين بنوعيه المحسن وعالي الاوكتان، حيث يعمل المصفى الآن بالطاقة الكاملة وقد دخل الإنتاج الى السوق المحلية منذ شهور عديدة". ولفت الحسيني الى "تجاوز مرحلة التشغيل التجريبي، والمصفى يعمل بطاقته الكاملة بشكلٍ ممتاز، ويجري تصريف المنتجات الى السوق المحلية منذ فترة بنجاح ولدينا مختبراتنا في المصفى وكل المنتجات هي ضمن مواصفات الأسواق العالمية".
وخطط لمصفى كربلاء أن ينتج حوالي 9 ملايين لتر في اليوم، لكن الحسيني يشير الى الوصول الى "إنتاج 8 ملايين لتر من البنزين، وأكثر من 4 ملايين لتر من زيت غاز، فضلاً عن الوصول الى 2.5 الى 3 ملايين لتر من مادة الكيروسين (نفط ابيض) ووقود الطائرات والكبريت، وكذلك مادة الأسفلت بنقاوة عالية ينفرد بها مصفى كربلاء بنوعيات غير موجودة في كل مفاصل البلد"، حسب وصفه.
تغطية حاجة البلاد
ولا يسدّ مصفى كربلاء الحاجة المحلية لهذه المنتجات في محافظة كربلاء فحسب، بل يتعداها الى محافظات الفرات الأوسط كالنجف، بابل والديوانية، وتقوم المستودعات بسحب المنتوج من مصفى كربلاء، لتقوم بضخّه الى المحافظات الأخرى في وسط وجنوب العراق، بسبب كميته العالية وجودته الكبيرة، ومن المؤمل ان يغطي بحدود خمسين الى ست50- 60 بالمئة من حاجة البلد في الوقت الراهن، ويمكن زيادتها في المستقبل بعد إضافة وحدات أخرى وزيادة الطاقة الإنتاجية للمصفى، بموجب خطة تشرف عليها وزارة النفط.
وقود الطائرات
وفيما يشارف مصفى كربلاء على توسيع خطوطه الإنتاجية من وقود الطائرات وغاز العجلات، فإن الهدف الأكبر للمصفى هو تعظيم إنتاج البنزين بنوعيه المحسّن وعالي الاوكتان، والتقليل من حجم الاستيراد بهذا الاتجاه، فضلاً عن السعي لتطوير إنتاج الغاز المسال ووقود الطائرات، والأخير سيكون من أبرز المنتجات لمصفى كربلاء، بسبب قربه الجغرافي المباشر من مطار كربلاء الدولي، وحاجة الطائرات القادمة والمغادرة لهذا النوع من الوقود.
الاكتفاء الذاتي
وبعد الوصول هذا العام الى سد الحاجة الاستهلاكية للمواطنين من مادة النفط الأبيض والغاز السائل وزيت الغاز، فإن وزارة النفط تخطط الى أن يكون منتصف أو نهاية العام 2024، هو الموعد المحدد للوصول الى سد الحاجة الاستهلاكية لمادة للبنزين، بحسب وكيل الوزارة لشؤون التصفية، حامد يونس الزوبعي الذي أوضح لـ (الصباح) "لدينا العديد من المشاريع، التي نأمل بعد إكمالها تحسين وتطوير نوعية المنتجات، مثل وحدات FCC ووحدات الأزمرة وهذه الأخيرة ستدخل العمل خلال وقتٍ قريب".
إنجاز مصفى الشعيبة
وفي مصفى الشعيبة النفطي بمدينة البصرة، تم تدشين الوحدة التكريرية الرابعة، بطاقة بلغت 70 الف برميل يومياً بعد عمليات صيانة قامت بها كواردنا الوطنية، ما وفر مبلغا يتجاوز ثلاثمائة مليون دولار، كانت ستناله الشركات اليابانية في حال أنجزت العمل.
وقال حسام حسين ولي الدين، المدير العام لشركة مصافي الجنوب لـ (الصباح) "كان العمل بهذا المصفى قد سحب من إحدى الشركات التشيكية المنفذة للمشروع، نتيجة الإخلال بشروط التعاقد مع وزارة النفط، لكن كوادرنا في قسم النظم والسيطرة في شركة مصافي الجنوب تمكنت من تنفيذ هذا العمل الكبير وتوفير ملايين الدولارات من العملة الصعبة".
استيرادات مليارية
من جانبها وصفت لجنة النفط والغاز في مجلس النواب العراقي (البرلمان)، استمرار العراق وهو البلد النفطي الغني بالثروات، باستيراد المشتقات النفطية بمبالغ تصل الى خمسة مليارات دولار سنوياً، بالأمر (المعيب)، لكون العراق يعد ثاني اكبر بلد مصدّر للنفط بعد المملكة العربية السعودية، وطالبت بإجراءات فعلية لتحسين أداء المصافي وتحقيق الكفاية الذاتية للبلاد من المنتوجات النفطية.
أما وزير النفط ونائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة حيان عبد الغني، فأشار الى أن الربع الثاني من العام 2024، سيحقق العراق اكتفاء ذاتيا من المشتقات النفطية، مضيفاً، إن "مصفى كربلاء ينتج الآن أكثر من سبعة آلاف وخمسمئة متر مكعب من البنزين عالي الاوكتان يومياً، أي إن نقاوة البنزين تصل الى 95، فضلاً عن منتجات تكريرية أخرى عديدة".
ولفت عبد الغني الى، إن "هذا المنجز سوف يوفر كميات كبيرة من المنتوجات النفطية البيضاء، وحين إكمال هذه المشاريع سوف نصل الى مرحلة الاكتفاء بشكلٍ تام بإذن الله"، حسب تعبير الوزير.
تقليص الاستيراد
ومع تدشين مشروع المرحلة الرابعة في مصفى الشعيبة النفطي، الذي تبلغ طاقته الإنتاجية سبعين ألف برميل في اليوم، والذي طال الانتظار لمراحل إنجازه، بسبب أعمال الصيانة فيه منذ ثمانية أعوام، يأمل مهندسو النفط الوطنيون إيجاد مساحات تطوير أكبر، لكسر ما يعرف باحتكار سيطرة الشركات الأجنبية في تنفيذ المشاريع في العراق.
ويشكّل دخول العديد من المصافي، الخدمة بخطوط إنتاجية متطورة مساهمة مهمة في تقليص استيراد المشتقات ووقود السيارات العالي الأوكتان، الى نحو نصف الحاجة الاستهلاكية اليومية للبلاد، ووفقا لوزارة النفط فإن العام المقبل سيشهد إعلان العراق الاكتفاء الذاتي من جميع المشتقات النفطية والوقود، وإغلاق ملف الاستيراد بعد دخول عشرات المصافي المتطورة الخدمة بطاقاتٍ إنتاجيةٍ كبيرة في معظم محافظات البلاد.
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة