الطفل .. والعنف المجتمعي

آراء 2019/05/21
...

زهير الجبوري 

يعتبر العنف ضد الاطفال في مرحلتنا الراهنة، واحدا من الظواهر المثيرة للجدل في خضم تشابك الاحداث وقسوة الظروف التي نمربها، وقد يحيلنا هذا الموضوع الى قراءة الظواهر التي ساهمت في جعل الطفل يعيش في ازمة متراكمة، منها عدم توفر الاجواء والمناخات والمستلزمات الملائمة للنهوض بواقعه او بتراتبية تربيته، فنسب الازمات تزداد في كل مرحلة زمنية، حيث ظاهرة اطفال الشوارع واطفال الباعة واطفال التشرد، قد يضعنا في السؤال الملح، ما السبب الجوهري الذي جعل الطفل في هذا البلد يمر بهذه الازمات ؟.. قبل الاجابة عن ذلك، تقول المصادر والبحوث المختصة بأن (الأطفال هم الشريحة الأضعف في أي مجتمع، بسبب عدم اكتمال نموّهم الجسماني والنفسي)، صحيح ان كافة التشخيصات تشير الى أن (العنف الاسري والعنف المدرسي وعنف الشارع، وغيرها) يمثل ذروة القضية او عمق الحقيقة، الاّ ان هناك من يتغاضى عن معالجة هذه الظاهرة، وكأن مثل هذه الحالة هامشية وغير جوهرية في مجتمع محافظ في حقيقته، بل وأكثر عاطفية وانسانية .
لعل الشواهد كثيرة في واقعنا، حتى ان بعض وسائل الميديا، منها التواصل الاجتماعي (فيس بوك)، يكشف لنا عن حالات يؤسف لها، كان اخرها ماحصل منتصف شهر مايس من هذا العام حين شوهدت طفلة لم يكتمل عمرها العام وهي مرمية على احد الطرقات في احدى محافظات وسط
 العراق.
 كل التفاصيل قرئت، غير ان الواعز النفسي الذي جعل من هذه الحالة تحصل قد يكون جزءا كبيرا منه اجتماعيا، او افرازات الواقع الاجتماعي، ومن المؤكد ان مصير هكذا اطفال مجهول، لأن الحالات المكتسبة التي تبني الطفل هي من تحدد ملامحه الحياتية، اذ يشير علماء النفس الى اهم مرحلة من مراحل نشوء الطفل وادراكه الاول، حيث (يركزعلم نفس الطفل على دراسة سلوكياته الايجابية والسلبية مثل اضطرابات الحركة او الانتباه او المزاج، والنظر في الجذور الممكنة لها وربطها ببعض المجالات الاخرى مثل علم الوراثة وعلم الاعصاب والنظام الغذائي والقلق والاجهاد، وغير ذلك). 
ولا بد من وقفة متأنية لتشخيص هذه الحالات من خلال جعل الواقع وما يعكسه لنا كأنموذج وافٍ، او حتى ما تقوم به الدراما العراقية مؤخرا في تقديم مشاهد تتناول الوجه المأساوي للطفل العراقي، اضافة الى بعض الدراسات الانسانية في الجامعات تتناول حقيقة الطفل في مجالات كافة، وتعطي تحليلات عديدة في الجوانب الايجابية والسلبية، ومن ثمّ تقدم في نهاية دراساتها النتائج التي ظهرت عليها، وما يؤسفنا ان القضية بقيت ضمن اطار التنظير، او بالاحرى لم تكن هناك معالجات ميدانية عيانية كفيلة في انقاذ واقع الطفل، ولعلها محنة كبيرة، بل وكبيرة جدا حين ينهض جيل متأزم ولا تتوفر في اجوائه مناخات العيش 
الملائمة.
جمعني لقاء واسع قبل سنوات مع شاعر الاطفال الراحل محمد جبار حسن بعد عودته من خارج العراق في جولة تخصصية في اليابان، كان حضوره بسبب دعوة لمؤتمر خاص بواقع الطفل، كانت ملامحه معبرة عن حسرة كبيرة حين اختصر كلامه بالحرف الواحد (الطفل العراقي خطية)، اذ شرح لي كيفية اعداد الاعمار وفق سياق ممنهج من (4 الى 6 سنوات) ومن (6 الى 8 سنوات) ومن (8 الى 10 سنوات)، لكل فئة لها برنامجها الخاص وعالمها التعليمي والترفيهي والغذائي والنفسي 
وما الى ذلك . 
ككل ما يحتاجه الطفل الآن هو استعادته لطفولته من خلال توفير وسائل النهوض الحقيقية، وان تشخص نقاط الخلل، وان تكون هناك عين فاحصة لانتشال ما بقي من اثار الانحراف وان تخصص مؤتمرات لدراسة واقع الطفل العراقي، مع اعطاء حلول تنقذ عالمه، وان يكون لمؤسسة الأمن دورفاعل، وكذلك للرعاية الاجتماعية المختصة بهذا الجانب.