القيامة في الديانات القديمة

ثقافة 2024/01/31
...



ديف روس


ترجمة: عبود الجابري


وفقًا للعهد الجديد، استشهد يسوع المسيح بقسوةٍ على يد الرومان نحو عام 33 م. ولكن بعد ثلاثة أيام في القبر، يقول الكتاب، قام يسوع مرةً أخرى بأعجوبة، وظهر لتلاميذه وصعد إلى السماء. قيامة يسوع وانتصاره على الموت هو ما يحتفل به المسيحيون في كلِّ عيد فصح.

لكنَّ المسيحية ليست الديانة القديمة الوحيدة التي تعبد إلهًا يموت ثم يقوم من جديد، كما أوضح عالم الأنثروبولوجيا الاسكتلندي جيمس فريزر في كتابه “الغصن الذهبي”، وهو دراسة تاريخية صدرت عام 1922 عن الأديان والأساطير في العالم.


في الشرق الأدنى القديم، حيث كُتبَ الكتاب المقدس، كانت قصص الموت والقيامة الإلهية مرتبطةً ارتباطًا وثيقًا بمواسم الزراعة، واعتقد فريزر أنَّ المسيحيين الأوائل اختاروا على الأرجح تاريخًا ربيعيًا لعيد الفصح، ليتزامن مع المهرجانات الوثنية القائمة لآلهتهم. وخلص فريزر إلى القول: “إذا أخذنا ذلك في الاعتبار، فإنَّ مصادفات الأعياد المسيحية مع الأعياد الوثنية متقاربة جدًا وأكثر من أن تكون عرضية”.

في ما يلي أمثلة لقصص القيامة من الثقافات القديمة حول العالم، بما في ذلك الهند والصين وأميركا الوسطى والأساطير الإسكندنافية.

تموز إله الربيع في بلاد ما بين النهرين

في المجتمعات الزراعية القديمة، كانت الأيام الأخيرة من الشتاء بمثابة نهاية أشهر من العيش الضئيل وحلول نعمة الربيع والصيف التي طال انتظارها. في بلاد ما بين النهرين القديمة، وهي إحدى الحضارات الزراعية الأولى، تحوَّل الناس إلى التفسيرات الإلهية لهذه الدورات السنوية من الأعياد والمجاعات.

كانت عشتار الإلهة الأم العظيمة لبلاد ما بين النهرين ومصدر خصوبة الطبيعة ووفرتها. وكان حبيبها تموز، وهو إله شاب وسيم يموت كل شتاء وينتقل إلى العالم السفلي الغامض. لمدة ستة أشهر من العام، وقد هبطت عشتار إلى عالم الموتى لإنقاذ حبيبها، ذلك الغياب الذي جرّد العالم من الخصوبة والتكاثر والنمو.

في كل ربيع، تسمح إلهةُ العالم السفلي الصارمة “ألاتو”، برشِّ الزوجين المسجونينِ بماء الحياةِ والعودةِ إلى عالمِ الأحياء، لتعيدَ الحياةَ والخضرة إلى الأرض، حيثُ يتم الاحتفال بالقيامة خلال دوزو أو “شهر تموز”، الذي يوافق أواخر حزيران/ يونيو وأوائل تموز/ يوليو، حسب التقويم البابلي. في جميع أنحاء الشرق الأدنى القديم، وضعت الثقافات اللاحقة لمسة خاصة بها على قصة القيامة في الربيع، فقد روى “الفريجيون” قصَّة أتيس، الذي أعيد إلى الحياة في الاعتدالِ الربيعي على يد “سيبيل” إلهة الخصوبة، وروى اليونانيون أسطورة “بيرسيفوني” التي اختطفها هاديس، والتي سُمح لها بالعودة كل ربيع من العالم السفلي، مبشرة بعودة الغطاء النباتي وإنتاج الحبوب.

أوزوريس إله موت الزراعة عند المصريين

مثل بلاد ما بين النهرين، كانت الحضارة المصرية القديمة تعتمد على دورات الطبيعة. واعتمد قدامى المصريين بشكل خاص على فيضان النيل الربيعي السنوي، الذي غذى الوفرة الزراعية في حوض النيل، وكانوا يعتقدون أنَّ دورات الطبيعة المنظمة يتحكَّم بها “أوزوريس”، إله الزراعة.

وفقًا للأساطير المصرية، حكم “أوزوريس” الأرض ذات يوم إلى جانب الملكة “إيزيس”، إلهة الخصوبة. لكن “أوزوريس” تعرَّض للخداع وقُتِلَ على يد شقيقِه “سِت”، الذي قام بتقطيع جسد “أوزوريس” ونثَرَ بقاياه في جميع أنحاء مصر. أعادت إيزيس تجميع جسد أوزوريس، ودهنتْهُ بالزيت، وأجرت طقوسَ التحنيطِ المتقنة، التي أعادت أوزوريس إلى الحياة الأبدية باعتبارهِ إله العالم السفلي.

وكان الفراعنة القدماء قد لجؤوا إلى طقوس التحنيط التي استخدمتها إيزيس لإحياء أوزوريس، آملين أن يحظوا بالخلود، وبمرور الوقت، شاعت فكرة التحنيط بين عامة المصريين كوسيلة للتغلب على الموت تماماً أسوة بأوزوريس، بينما تم العثور على بعض المومياوات الفرعونية مثل توت عنخ آمون وعلى وجهها أقنعة جنائزية تحمل شبهاً شديداً بملامح أوزوريس.

التغلب على الموت في الهند القديمة

وفقًا للتقاليد الهندوسية، كانت هناك أميرة ذكية وجميلة تدعى “سافيتري”، وكانت ترفض الزواج من جميع الخاطبين الذين يطلبون يدها. ذات يوم غادرت “سافيتري” قصرَها بحثًا عن حبِّها الحقيقي، حتى التقت بحطّابٍ وسيم وأميرٍ سابق يدعى “ساتيافان”.

وقعت “سافيتري” في حب “ساتيافان” وتزوجا، لكن رسولًا من الآلهة ألقى نبوءة فظيعة مفادها أنَّ “ساتيافان” سيموت خلال عام واحد بالضبط، وطبقاً لوعد الآلهة، انهار ساتيافان ومات في الذكرى السنوية الأولى لزواج الشابين. وقد حض إله الموت “يامراج” ليأخذ روح “ساتيافان”.

لكن “سافيتري” وضعت خطة ذكية لاستعادة زوجها، فأصرّت على أن تتبع “يامراج”، عبر الصحراء المشتعلة حتى وصلت مدخل العالم السفلي، هناك حيث توسلت إليه أن يعيد إليها “ساتيافان”، بينما وافق “ يامراج” على أن يحقق لها أمنية واحدة غير حياة زوجها، فطلبت منه أن يمنحها العديد من الأطفال. وافق “ يامراج” على طلبها، لكنه وقع في المكيدة التي رسمتها، فكيف لها أن تنجب أطفالاً بدون زوج؟ وبما أنها متزوجة من “ساتيافان”، كان عليه أن يعيد إليها زوجها ليكون صادقاً في وعده، وهكذا أعيد” ساتيافان” إلى الحياة والتأم شمل الزوجين.

بوديهارما وحذاؤه الوحيد

وفقًا للتقاليد البوذية، فإنَّ الشخصية المعروفة باسم “بوديهارما” كانت تمثل حكيمًا هنديًا عظيمًا، وربما كان أول من أدخل البوذية إلى الصين. في تقليد الزن البوذي، غالبًا ما يلعب “بوديهارما” دور معلم الزن الحكيم والماكر، متحديًا طلابه بألغاز غامضة تؤدي، إذا تم فك شفرتها، إلى طريق التنوير.

ذات يوم، كان دبلوماسي صيني يُدعى “سونغيون” يعبر جبال بامير بين الصين والهند، حيث التقى “بوديهارما” المسنّ حينذاك ماشياً في الاتجاه المعاكس. سأل سونغيون أين يذهب السيد، فأجاب “بوديهارما” أنه سيعود أخيرًا إلى موطنه في الهند، فيما لاحظ “سونغيون” أنَّ “بوديهارما” كان يرتدي فردة حذاء واحدة فقط، وعندما سأله عن السبب، اقترح بوديهارما على سونغيون أن يسأل الرهبان عند وصوله إلى مدينة “شاولين”.

 افترق الرجلان، ولكن عندما سأل “سونغيون” عن حقيقةِ حذاء “بوديهارما” في شاولين، أُلقي في السجن بتهمة الكذب. لم يتمكن “سونغيون” بعد ذلك من رؤية “بوديهارما”، لأنّه مات بعد لقائهما بعدة سنوات. غير أنَّ الرهبان فتحوا قبر بوديهارما لمعرفة الحقيقة، فلم يجدوا سوى فردة حذاء واحدة، حتى الموت لا يمكنه التعبير عن حكمة “بوديهارما”، الذي غالبًا ما يتم تصويره حافي القدمين ويحمل فردةَ حذاء واحدة على عصا.

تضحيةُ “أودين” 

في الأساطير الإسكندنافية، يعدُّ “أودين” أحد أهم آلهة “فالهالا”، وهي المكان الذي يماثل الجنة في الديانات الأخرى، وهو إله خالق يتمتع بحكمة وسحر لا مثيل لهما، كان على “أودين” أن يدفع ثمناً باهظاً لتحقيق معرفته القوية والباطنية.

وفقًا للأسطورة الإسكندنافية، كانت أعظم مصادر الحكمة في العالم القديم هي الأحرف الرونية، وهي رموز سحرية لم تتمكن حتى الآلهة من فك شفرتها. لكن “أودين” كان على استعداد لفعل كل ما هو ضروري- حتى مواجهة الموت نفسه- لفك معنى الأحرف الرونية والوصول إلى قوتها الخفية.

وفقاً لقصيدة الفايكنج الملحمية “هافامال”، أخضع أودين نفسه لشكل عنيفٍ من التضحية بالنفس: يقول أودين: “نفسي من أجل ذاتي”، فشنقَ نفسه على شجرة عظيمة، وطعن جنبه بحربةٍ ومنع الآلهة من مساعدته، ظل أودين معلقًا على الشجرة لمدة تسعة أيام، محدقًا في الأعماق المائية لبئر أورد حتى أخيرًا، في اليوم التاسع، تم الكشف عن أشكال الرونية له.

وتصور أسطورة الهافامال بالنص والرسوم “أودين” وقد مات جزء منه في تلك المحنة التي استمرت تسعة أيام، لكنه ما لبث أن ولد من جديد، أو تمَّ إحياؤه كإله أقوى بكثير، يتمتع بالمعرفة والقدرة اللامحدودة على الاكتشاف.

القيامة في أميركا الوسطى

في أميركا الوسطى القديمة، كان أعظم الآلهة هو كويتزالكواتل، Quetzalcóatl “الثعبان ذو الريش” الذي كان يُعبد عبر قرون من حضارات المايا والتولتيك والأزتيك.

في بعض التقاليد، كان” الثعبان ذو الريش” شخصية تشبه أوزوريس، إله الزراعة والغطاء النباتي المرتبط ارتباطًا وثيقًا بإله المطر “تلالوك”، ومثل أوزوريس، خدعه شقيقه، وسقاهُ مسكرًا قويًا وجعله ينام مع كاهنة. تغلب “كويتزالكواتل” على الشعور بالذنب، فقتل نفسه من خلال التضحية بنفسه، لكنه قام مرة أخرى إلى الحياة، وارتبط اسمه بكوكب الزهرة، النجم الأكثر سطوعًا في السماء القديمة والذي بدا وكأنه “يشرق” بهيئة تشبه انبعاث كويتزالكواتل من محرقة جنازته، وأصبح إله الموت والبعث الذي نزل إلى العالم السفلي، ليجمع العظام اللازمة لتكوين البشر الأوائل.

_________ 

- ديف روس:(Dave Ross صحافي ومذيع وباحث يكتب في الشؤون التأريخية والاقتصادية والسياسية). 

- المصدر: History channel