تجارب الشباب المتفائلين

اسرة ومجتمع 2024/03/10
...

 علي حسين عبيد

يغلب على الشباب العراقيين طابع الشكوى من الحياة، ومن الإهمال الذي يتعرَّضون له من الجهات المسؤولة عنهم، لاسيما قلة فرص العمل، والمفاضلة غير العادلة في التعيين في الدولة، أما القطاع الخاص فهو ضعيف جداً، ويشكو من قلة الدعم، ولكن في بعض الأحيان تصادفنا تجربة مذهلة لشاب متميز، تجعلنا نتفاءل بالحاضر وبالمستقبل لشبابنا العراقيين، وسرعان ما نكتشف أن الصفة الأساسية التي يتميز بها هذا الشاب هي صفة الإصرار المدعومة بالذكاء والفطنة العالية.
قبل أيام قمتُ بتأجير تكتك يقلُّني إلى مركز المدينة، سائقه كان شاباً يقترب من سقف العشرين، كنتُ أتطلع إلى جانبيّ الطريق، واستمتعت بعذوبة الهواء المنعش، وكنت بين لحظة وأخرى أنظر في المرآة إلى الشاب، كان الخجل يكسو وجهه، شعرتُ أنه يريد أن يتكلم معي، فبادرته بالسؤال، هل لديك عمل آخر فأجاب أنا طالب كلية مرحلة أولى هندسة مدنية.
ثم واصل كلامه باستمرارية كأنني حفزته على الكلام من دون أن يتوقف، وأول جملة نطق بها، أستاذ نحن نريد أن نتعلم منكم، ونتمنى الاهتمام بنا، نحن طاقات جيدة لكننا نشعر بالإهمال من الكبار، فسألته: ماذا تريد أن تتعلم؟، أجاب: أنا لا أعرف ماذا أريد، المفروض بالكبار هم يدلوننا على ما يجعل حياتنا أفضل وأسهل، نحن ننتظر أن تفتحوا لنا الطرق الصحيحة كي نبدأ السير فيها، فأخبرته أن عليك مسؤولية أيضاً، لأن فتح الطرق أمام الشباب لا يكفي، المطلوب أن تعرف كيف تواصل مسيرتك بنجاح مستمر.
من خلال الحوار بيني وبين هذا الشاب، تبيَّن لي أنه يمتلك إصراراً على صنع حياة جيدة له، فهو مع تفوّقه الدراسي بدأ العمل في مهن مختلفة منذ الدراسة المتوسطة، وكان يدّخر نصف ما يحصل عليه ويعطي لأبيه النصف الآخر لمساعدته في إعالة العائلة، ومع دخوله مرحلة الجامعة اشترى التكتك بمبلغ لا يُستهان به، وبدأ يعمل ثلاث إلى أربع ساعات في اليوم، ويحصل على مبلغ جيد وواصل أسلوب الادخار نفسه، 50 بالمئة للعائلة والآخر له، ويقول إنه غير راضٍ عن حياته، يريد أن يبني حياة أفضل، وحين سألته عن المبلغ الذي بحوزته الآن قال أمتلك ضعف سعر التكتك وأريد أزيد المبلغ حتى أشتري سيارة موديل حديث وأنتقل من التكتك إلى سيارة الأجرة التكسي، فسألته ألا تجيد سوى
السياقة؟
قال بثقة عالية: أنا أخطط لفتح مطعم صغير، وأطوره أكثر، وحينها اعترضت عليه وقلت له المطعم عمل استهلاكي وليس انتاجياً، حاول أن تفكِّر بفتح مشروع هندسي أو مشروع إنتاجي لسلع نادرة، هكذا يمكن أن تفيد بلدك ونفسك وتنفتح أمامك فرص كبيرة، أجاب: أنا أخطط فعلاً لهذا الشيء وأمتلك الإرادة وحسن التنظيم والتخطيط والذكاء، ولكن مع كل هذا نحن الشباب نحتاج جداً إلى دعمكم أنتم الكبار في تجاربكم، ونحتاج إلى دعم مؤسسات الدولة والحكومة المخصصة للشباب.
في الحقيقة هذا الشاب وغيره من الشباب على حق، هو يمتلك الإرادة والإصرار ويمتلك التخطيط الجيد والتنظيم وحتى الموهبة، ودخل في تجربة جيدة ونجح فيها وطور نفسه، ويفكر اليوم بتجارب عملية أفضل، ولكن مع كلف هذا يحتاج الدعم، ألا يمكن للدولة والحكومة من خلال مؤسساتها أن تبادر بدعم الشباب، وتشجيعهم على مواصلة تجاربهم الإنتاجية الناجحة، هذا السؤال موجّه إلى من يهمه الأمر، عسى أن يلقى الإجابة
المناسبة.