الرقمنة التنمويَّة
عبدالزهرة محمد الهنداوي
كثر الحديث خلال المرحلة الراهنة عن التحول الرقمي في العراق، أو ما يسمى بالأتمتة، أو الرقمنة، وانقسم الناس إزاء هذا التحول على فريقين، بين مؤيد ومعارض، ويبدو أنَّ فريق المؤيدين هو الأكبر والأوسع، وكثير من الفريق الثاني (المعارض)، ربما جاءت معارضته، مرتبطة بأسباب مختلفة، لعل من بين هذه الأسباب أنَّ الكثير من أفراد المجتمع ما زالوا لا يجيدون التعامل مع التقنيات الحديثة، لذلك فهو يشعر بالغربة، بوجوده في العوالم المرقمنة.
قبل أيام كنت في إحدى محطات التعبئة، للتزود بالوقود، وحدث أن كان أمامي رجل انتهى من ملء خزان سيارته بالبنزين المُحسّن، ثم أشهر بطاقته الإلكترونية لتسديد الحساب، لأنَّ المحطة كانت قد بدأت العمل بآلية الدفع الإلكتروني، ولكن عندما أدخل الموظف المعني البطاقة في الجهاز، حدث تأخير كبير تطوّر إلى حوار ساخن بين صاحب البطاقة والموظف، رافقت ذلك الحوار موجة من (الهورنات)، والجميع قد أخرجوا رؤوسهم وأيديهم من نوافذ السيارات ملوّحين وصائحين بضرورة حسم الموضوع، فقال أحدهم (عمي آني أدفع فلوس التفويلة، بس فضونا)!! بينما علّق آخر بالقول: (عمي احنة مو مال تكنولوجيا،!! احلى شي فليساتك بجيبك)!! وغير ذلك الكثير من التعليقات، وفي نهاية المطاف، دفع الرجل المبلغ نقداً، ومضى تشيّعه نظرات الواقفين الحانقة!!
هذه إحدى الصور التي شاهدتها، وهي تستدعي التوقف عندها، لوضع المعالجات المطلوبة، في ظل وجود خطوات وإجراءات مهمة في الكثير من مؤسسات الدولة، من جهة التحول الرقمي في البلد، فقد أصبح لنا جواز إلكتروني، وأصبحت أغلب الوثائق المهمة، يحصل عليها المواطن عبر النافذة الإلكترونية، حتى تسجيل المخالفات المرورية تحولت إلكترونياً، بعد نصب منظومة الكاميرات والرادارات في العديد من تقاطعات العاصمة بغداد، وإن جوبه هذا الإجراء بشيء من الرفض من قبل الذين لا يريدون الالتزام بالضوابط والتعليمات المرورية، أو لأنَّ البنى التحتية لم تكن جاهزة لإطلاق مثل هذا المشروع المتقدم.
وعلى مستوى مؤسسات الدولة، ربما لا تكاد توجد وزارة أو جهة، لم تتخذ خطوات باتجاه الرقمنة، وذلك في إطار ستراتيجية حكومية تهدف للوصول إلى خدمات مرقمنة تتلاءم واحتياجات المستخدمين والمُستهدفين على حد سواء، وهذا الهدف يتطلب بطبيعة الحال توفير البنى التحتية التي تسهم في عملية التحول الرقمي وفق ستراتيجيات تواكب التطورات التكنولوجية الهائلة التي يشهدها العالم، وهذه الستراتيجيات إذا ما جرى العمل بمساراتها ستؤدي إلى توفير المزيد من الوقت، وتحسين مستوى الأداء للموظفين، وصولاً إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، الذي صار هو الآخر متطلباً عصرياً مهماً، فمن خلاله يمكن صناعة مساحة مناسبة للعاملين، تدفعهم باتجاه الإبداع، ومعالجة المشكلات التي تواجه العمل، بل من الممكن التنبؤ بمثل هذه المشكلات قبل حدوثها. إنَّ عملية التحول الرقمي لم تعد قضية ترفية، إنما أصبحت قارب النجاة، وعلى الجميع الصعود في هذا المركب، وإلا سيجد نفسه خارج الحدود الإقليمية لموانئ الحياة.
وهنا، ومع وجود ستراتيجية حكومية واعدة تسعى من خلالها نحو تحقيق هذا الهدف، فإنَّ قضية التحول تتطلب توفير الكثير من المتطلبات، والعمل على الارتفاع بمستوى التعامل المجتمعي بجميع مفاصله، مع التقنيات الحديثة، وفي المقدمة من تلك المتطلبات، استخدام أنظمة اتصال سهلة، وتتوافق مع الأجهزة المحمولة، بعد أن أصبح الهاتف النقال يمثل نافذة رئيسة ومهمة من نوافذ حياة الإنسان، وأنَّ إجراءات من هذا القبيل، من شأنها أن تتوافق مع التوجهات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي تسعى إلى مشاركة الجميع في عملية بناء المستقبل الذي يصبو إليه الناس، وعدم ترك أحد خلف الركب.