بيتر بول روبنس.. أعمال تستعيد الحياة

ثقافة 2024/03/26
...

 أ. ج. غولدمان
 ترجمة: كريمة عبد النبي

في خريف عام 2022 أعاد متحف الفنون الجميلة في مدينة أنتويرب البلجيكية فتح أبوابه بعد عملية ترميم للمتحف وأعماله منذ أحد عشر عاما وما زالت.
وتعد قاعة روبنس، التي سميت باسم الفنان بيتر روبنس، القلب النابض للمتحف الملكي للفنون الجميلة، حيث تضم العديد من اللوحات التي تمثل الفن الفلمنكي البلجيكي، كما تضم أشهر أعمال بيتر بول روبنس
(1577 - 1640) الذي يعد سيّد الفنّ الفلمنكي.
ويقول كوين بولكنس، مسؤول فن القرنين السادس عشر والسابع عشر في المتحف، "تعد القاعة التي تضم أعمال روبنس أكبر قاعة في هذا المتحف العريق".
ونظرا لحجم تلك اللوحات وعمرها لم يكن من السهل نقلها إلى مكان آخر خلال عمليات الترميم والإصلاح، لذلك تم تخزين هذه الأعمال في مستودع تحت قاعته التي تم بناؤها بين عامي 2011 - 2013 في موقع كان ملجأ استخدم أيام الحرب الباردة.
وحسب تقرير الصحيفة، فقد بدأ عمال الترميم عملهم بإحدى لوحات روبنس التي أنجزها عام 1628، وهي تمثل السيدة مريم العذراء مع طفلها ومحاطة بمجموعة من القديسين، وهي بطول 20 قدما وعرض خمسة عشر قدما، ويصل وزنها إلى نحو ثمانمئة باوند. وبسبب حجم هذه اللوحة، فانه من المقرر أن تستمر أعمال الترميم عليها لغاية سبتمبر/ أيلول من عام 2025. وقد بذل عمال الترميم جهودا كبيرة لإزالة الورنيش من على اللوحة والكشف عن ألوان روبنس الزاهية والأصلية.
ومن ضمن المشاركين في أعمال الترميم كايلا ميتيلينس، التي أشارت إلى أن أول عملية ترميم بدأت عام 1960 وقد استخدم عمال الصيانة آنذاك الكثير من مادة الورنيش، كما أن الأعمال تعلوها كمية من الغبار، ونأمل باستمرار عمليات الترميم إلى غاية فبراير/ شباط من العام القادم".
وقد أوضح فريق العمل بأن عملية إعادة الترميم كانت صعبة للغاية بسبب نوعية القماش المستخدم في رسم اللوحة، حيث إن نسيج تلك الأقمشة يتغير بمرور الزمن، كما أن فريق العمل يبذل جهدا كبيرا لاستعادة اللون الأصلي، ومن ثم تبدأ عملية اصلاح الأجزاء التالفة من قماش اللوحة.
ويستضيف المعرض حاليا معرضا فنيا لروبنس تحت عنوان "أسود وأبيض" ويستمر لغاية الثاني عشر من شهر مايس/ آيار القادم. وتمثل هذه الأعمال 10 بالمئة من ممتلكات المتحف الملكي.
وكان تعامل عمال الترميم مع لوحات روبنس المرسومة على الورق أسهل بكثير من اللوحات التي رسمها على قطع القماش التي كانت أكبر حجما من اللوحات الأولى.
ويشمل المعرض عددا من أعمال النقش والحفر على الخشب التي أنجزها الرسام في فترة من فترات حياته وعمل عليها باهتمام بالغ. كما تضمن عددا من أعمال النقش والحفر للفنان لوكاس فورشتيرمان، وهو أحد النقاشين الأوائل الذين عملوا لدى روبنس.
وقد انقطعت علاقة فورشتيرمان بروبنس بعد سنتين من العمل معا، حيث أشارت ليزيث كلاسن، وهي أحدى الباحثات في المتحف الملكي "لا أحد يعلم ما الذي حدث بينهما، لكن فورشتيرمان سئم من الأوامر التي كان يتلقاها من روبنس حتى أنه هاجمه في إحدى المرات بأحدى آلات النقش التي كان يستخدمها في العمل".
وأضافت "على الرغم من أن روبنس كان شديدا في التعامل مع الذين يعملون معه، إلا أن خبرته في فن النقش والتوجيهات الفنية التي كان يقدمها جعلت منه ومن فورشتيرمان يتسلقان سلم الشهرة بسرعة".
وأشارت الباحثة إلى أن أعمال النقش التي أنجزها روبنس كانت تنافس التي قدمها الفنان تيتيان على الرغم من أن الأخير توفى قبل عام من ولادة روبنس.
كما تعاون روبنس مع الرسام كريستوفر جيغر وكان ذلك واضحا في لوحة "الباقي على متن الرحلة إلى مصر" التي تشير إلى رحلة السيدة مريم والسيد المسيح إلى مصر، حيث أنجزها روبنس عام 1933-1936.
وتظهر هذه اللوحة مدى التعاون الفني الذي كان بين هذين الرسامين.
ولد روبنس عام 1577 في المانيا وكان والده محاميا ذائع الصيت، انتقلت عائلته بعد رحيل والده عام 1587 إلى مدينة أنتويرب في بلجيكا، حيث درس فن الرسم على يد أفضل الرسامين المحدثين لتبرز موهبته بصورة سريعة وتمكن من انشاء مرسمه الخاص في نفس المدينة.
وقد ذاع صيته في مجال الفن والرسم وبدأ بتعليم الفنانين المبتدئين، الأمر الذي مكنهم من إنجاز لوحات ذات قيمة كبيرة.. تنقل روبنس بين ايطاليا وروما. تزوج من زوجته الأولى ايزابيلا برانت عام 1609 التي أنجبت له ثلاثة أولاد وتوفيت بعد سبعة عشر عاما من الزواج. في عام 1630 تزوج من هيلين فورمينت وأنجبت له خمسة أولاد.
لم يكن روبنس رساما فحسب، بل رجل أعمال مارس التجارة في مرحلة من حياته، كما عمل مهندسا ودبلوماسيا محنكا لدى عدد من العائلات الملكية في أوروبا.
درس أعمال الرسامين من معاصريه، ثم انتقل إلى فلورنسا ودرس الفن الروماني القديم والنقش والحفر، حيث أنجز عددا من الأعمال التي تزين مذبح الكنيسة الرومانية.
ويعد روبنس واحدا من أشهر فناني الطريقة الباروكية، أو ما يسمى بالاسلوب الباروكي الذي يهتم بتفاصيل الملابس والمجوهرات والاكسسوار.
تميزت أعمال روبنس بالدقة والقوة سواء تلك التي تمثل المناظر الطبيعية أو الاسطورية أو التي تمثل عددا من الشخصيات المعروفة، كما تميز بدمج الواقعية مع تقاليد عصر النهضة ما جعل لوحاته مفعمة بالحيوية. ومن أشهر لوحاته "مذبحة الأبرياء" وهي رابع أغلى لوحة في العالم.

عن صحيفة نيويورك تايمز