حنطتنا

اقتصادية 2024/05/09
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي

تتقاسم الحنطة، مع شريكيها الرز والذرة، السلة الغذائية، لأعلى نسبة من سكان كوكب الأرض، ويُعد هذا المحصول الستراتيجي، من أوائل المحاصيل التي اكتشفها الإنسان، في وادي الرافدين، إذ يذكر  المؤرخون أن أول من أكل الخبز المصنوع من الحنطة، كان شخصاً يسكن أحد أجزاء سومر في بلاد مابين النهرين عام 6000 قبل الميلاد، ثم انتقلت زراعة القمح إلى بلاد الشام ومصر وسائر بلاد العالم، حتى الولايات المتحدة الأميركية التي تُعد اليوم، من كبار منتجي القمح في العالم، لم تعرف هذا النبات إلا عام 1618 ميلادي.
 ومنذ أن عرفها الإنسان فقد دخلت الحنطة  بقوة في صناعة الخبز، الذي يُعد أكسير الحياة، وبسببها نشبت الكثير من الحروب والأزمات ، أدت إلى نشوء مجاعات هنا وهناك، ولعل الحرب الروسية الأوكرانية خير دليل على ذلك.
ومع تطور أساليب العيش، تطورت عمليات الزراعة واتسعت المساحات المزروعة، لكي تلبِّي حاجة البشر المتزايدة من الغذاء، لاسيما مع الزيادات الهائلة في أعداد السكان على مستوى العالم الذي تجاوز عددهم الثمانية مليارات إنسان بعشرات الملايين، ولأن الحنطة  محصول حيوي وستراتيجي ومكوّن رئيس وأساسي من   مكونات السلة الغذائية، فقد حرصت كل بلدان العالم على تأمين حاجتها من هذا المكون، سواء من الإنتاج المحلي إذا كانت منتجة له،  أو من خلال الاستيراد، من الدول التي لديها فائض إنتاجي، وتخضع عمليات الشراء والاستيراد، إلى الكثير من الضغوط والشروط، التي تكون مرهقة في كثير من الاأحيان.
أما في الحديث عن حنطتنا، ونحن أول من عرفها وصنع منها الخبز لشعوب الكون، فإنها غالباً ماتمر بظروف صعبة، تؤدي إلى فقدانها أحياناً فنضطر لشرائها من بلدان أخرى، ومن أكثر العوامل تأثيراً في زراعة الحنطة في العراق، هو توفر المياه، التي شهدت تراجعاً في معدلاتها خلال فترات متعاقبة، ولكن ما تم تأشيره في السنوات القليلة الماضية، ونتيجة لزيادة كميات الأمطار الهاطلة، فقد حققت زراعة القمح طفرات واضحة في كميات الإنتاج تجاوزات الـ(5) ملايين طن وهي تسد الحاجة المحلية وتزيد، وفي الوقت عينه ذهبت الحكومة إلى مضاعفة الأسعار لتكون أعلى من أسعار القمح في السوق العالمية، فضلاً عن تشجيع استخدام التقانات الحديثة في الزراعة، كل ذلك أسهم في تشجيع المزارعين على العودة إلى الزراعة، وزيادة غلَّة الدونم الواحد من الإنتاج.
ولكن في المقابل، ثمة ظروف خارج  السيطرة يمكن أن تؤدي إلى إحداث أذى كبير في المحصول، ومنها ماحدث خلال الأسابيع الأخيرة عندما تعرَّض العراق إلى موجات مطرية، تسببت بتلف مساحات من المحصول وهو مازال في سنبله، وهناك أيضاً ظاهرة الحرائق الموسمية التي تلتهم الحقول والبيادر ، وغير ذلك من العوامل المؤثرة، وهذا كله بحاجة إلى إجراءات حماية وضمانات من الحكومة للفلاحين والمزارعين، الذين يتعاملون مع زرعهم كما لو كان إبناً لهم، فلنا أن نتصور حجم المأساة، فيما لو تعرض هذا المحصول إلى ضرر أو تلف كبير، ومن أهم الضمانات، وجود سايلوات كافية لخزن الإنتاج السنوي بكامل كمياته مهما كان حجمها، وبظروف خزنية جيدة، وهذا ربما يستدعي إنشاء صوامع جديدة بمواصفات وجودة عالية، وهناك شركات عالمية متخصصة في هذا المجال، والإيطاليون مشهورون في إنشاء السايلوات الحديثة.