الجذور الفكريَّة للاحتجاجات الطلابية الغربيَّة

آراء 2024/05/22
...

 أ.د عامر حسن فياض

تجسد التيار الليبرالي التقدمي بشكل اكثر وضوحاً في شخص (فرانكلين روزفلت 1882-1945م) الذي اصبح رئيساً للولايات المتحدة عام 1932م في الوقت الذي كانت فيه البلاد ما تزال تعاني من الازمة الاقتصادية الكبرى التي انفجرت عام 1929م. وقد وعد روزفلت الشعب الامريكي قيل انتخابه بـــ (سياسة جديدة)

 شَكل الجناح التقدمي الجديد في المنظومة الليبرالية الرافعة، التي تستند اليها الاحتجاجات الطلابية التي تشهدها الجامعات الأمريكية والأوروبية، فما هي الجذور الفكرية لهذا الجناح؟

تميزت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في الولايات المتحدة بتشكيك قطاع من الليبراليين الجدد بكل الميادين تقريباً: الاقتصاد والسياسة والتاريخ والمجتمع والدين والادب وحتى القانون، وخاضت الحركة التقدمية، التي مثلها هؤلاء حرباً ضد الفردية والتنافس وعدم المساواة وهاجمت بوجه خاص المسألة الاساسية في هذا العصر مسألة التعايش بين الفقر والتقدم في المجتمع داعية في مواجهة كل ذلك إلى التعاون والمساواة، واعتمد التحليل السياسي الذي قامت به الحركة الليبرالية التقدمية، خلال هذه الفقرة على فكرة الصراع الطبقي، ولكن ليس بالصيغة الاشتراكية، حيث تبنت هذه الحركة وجهة نظر معقدة إلى حد بعيد بخصوص المجموعات الاجتماعية المختلفة وجماعات المصالح التي تتواجه فيما بينها، قائلة بأن الطبقات موجودة دائماً وانها ستستمر في الوجود مما يقتضي بوجه خاص تحقيق المصالحة بينها وضمان التوفيق بين مصالحها.

إلا أن ارتباط الحركة الليبرالية التقدمية الوثيق بالنظام الرأسمالي يستدعي عدم المبالغة في تقدير درجة تأثير الاشتراكية فيها. 

ومع ذلك فقد بدت هذه الحركة كمحاولة لتغيير الرأسمالية التقليدية، وسار في هذا الطريق حشد من المفكرين الامريكيين مثل عالم الاجتماع (لستر وارد1891 - 1913م) الذي يتحدث عن الدور التدخلي للدولة لتحقيق الخير العام وبشكل خاص من أجل تقييد الاقوياء وحماية الضعفاء. 

وادورد روس عالم الاجتماع الآخر الذي ساهم في تنمية الوعي بحاجات الجماعة، وبالتالي بضرورة تدخل الدولة اكثر فأكثر.

وماله دلالته في هذا الشأن هو أن الجمعية الاقتصادية الامريكية الجديدة كانت قد أكدت منذ عام 1885م بأنها تعتبر الدولة اداة تثقيفية وأخلاقية تشكل مساعدتها الايجابية شرطاً ضرورياً للتقدم الانساني، وأن إقرارها بضرورة المبادرة الفردية في الحياة الاقتصادية لا يمنع من إقرارها ايضاً بحظر المذهب الرأسمالي، مذهب دعه يعمل دعه يمر في السياسة.

وتجسد التيار الليبرالي التقدمي بشكل اكثر وضوحاً في شخص (فرانكلين روزفلت 1882-1945م) الذي اصبح رئيساً للولايات المتحدة عام 1932م في الوقت الذي كانت فيه البلاد ما تزال تعاني من الازمة الاقتصادية الكبرى التي انفجرت عام 1929م. 

وقد وعد روزفلت الشعب الامريكي قيل انتخابه بـــ (سياسة جديدة) وأعلن في بداية عام 1932م انه ينبغي القيام بمحاولات، واذا ما كشفت طريقة ما عن فشلها، فينبغي التخلي عنها واللجوء إلى طريقة اخرى، ولكن ينبغي بأي حال من الاحوال محاولة القيام بشيء ما. 

وتتلخص الخصائص المميزة للسياسة الجديدة التي قدمها روزفلت في العمل والتجريب والتخطيط على المستوى المحلي والاقليمي، كما أنه حاول مساعدة أولئك القابعين في قاعدة الهرم الاقتصادي وسعى لمنحهم مزايا اقتصادية واجتماعية وسياسية متحدياً بذلك الدكتاتورية الاقتصادية والاوزان الثقيلة للاوساط الاقتصادية والمالية داخل الحكم.

ولكن الديمقراطية في نظر روزفلت لم تكن مجرد مسألة حق الانتخاب العام والتعبير الحر عن ارادة الشعب، بل هي ايضاً قوة ايجابية وبناءة في الحياة اليومية للناس، لأنها تستجيب لمطالبهم السياسية والاقتصادية في آن واحد.

كما أكد أن الناس اذا ما اضطروا إلى الاختيار بين الحرية والخبز فسيختارون الخبز، لذلك فان علة انهيار الديمقراطية في عدد من البلدان الأوربية، لا تكمن في كره الناس لها، بل في معاناتهم من البطالة واحساسهم بعدم الامن وجوع اطفالهم في ظل انظمة كان يفترض بها ان تكون انظمة 

ديمقراطية.

ولم يظهر التيار التقدمي في الليبرالية الجديدة بكامل ابعادة إلا على يد الفيلسوف الانكليزي (برتراند راسل 1872 – 1970م) الذي تتميز فلسفته بعمقها وتعقيدها واعتمادها على التحليل العلمي الرياضي إلى جانب تأكيدها على التعددية. 

وحدد راسل وظائف الدولة في الأمن والعدالة والصيانة التي وجدها ذات اهمية قصوى للسعادة البشرية، واعتبر ان الدولة هي الهيئة الأقدر على أدائها والقيام بمسؤولياتها، دون ان يعني ذلك اعتقاده ان الحكومات يجب ان لاتكون لها وظائف اخرى غيرها لان بوسعها مثلاً ان تسهم بشكل رئيسي في تشجيع المبادرة اللاحكومية ولا يغير انطباع راسل عن الدولة تبنيها للنظام الديمقراطي، لأن الديمقراطية هي الأخرى موضع نقد من قبله، لأنها لاتعطي في الدول الكبيرة الحديثة مجالاً كافياً للمبادرة السياسية إلا لأقلية ضئيلة، وربما هذا هو سبب لجوئه إلى اشتراكية الطوائف كبديل عن الدولة والديمقراطية، بقدر ما أن هذه الاشتراكية تضمن للمبادرة الفردية تفتحها، ومن ثم فأن موقفه هذا من الملكية ليست له علاقة بإشتراكية ماركس ولينين التي رأى فيها نظاماً يهدف إلى اقامة استبداد جديد بدلاً من استبداد قديم.

لقد دعى راسل إلى اشتراكية من نوع خاص اقرب إلى اشتراكية الطوائف التي عُرفت في عشرينيات القرن العشرين والقائمة على نظام تمتلك الدولة بمقتضاه وسائل الانتاج وتمثل مصالح المستهلكين بينما تكون الادارة وعمليات المصانع والمنجم والسكك الحديدية والمستودعات.... الخ، تحت ادارة طوائف أو اتحادات من العمال وتعتمد المبادرة الفردية اساسا لنشاطها، معتقداً انه بذلك يحول دون نمو البيروقراطية المضطهدة التي يعيش العمال في ظلها وكأنهم ببساطه قد استبدلوا سادتهم القدماء بمجموعة من السادة 

لجدد.