سريعة سليم حديد
اضطراب تناول الطعام مشكلة قد يمر بها كل طفل، ولكن هناك من يتجاوزها ببساطة من دون أن تترك لديه أية مشكلة، ومنهم مَن يجد في تناول الطعام الكثير من المشكلات التي قد لا يدركها المحيطون به.
إنَّ حاسّة التذوّق عند الطفل مهمة كباقي الحواس الأخرى، حيث تتطور براعم التذوق في وقت مبكر في الأسبوع الثامن من الحمل، فيستخدم الطفل حاسة التذوق عند بلع السائل "الأمبوسي" وبعد الولادة يفضل الطفل طعم النكهات الحلوة أو المالحة، مما يجعله مطلعاً على طعم حليب الثدي، من هنا يفضل الطعوم التي تعرّف عليها أثناء الرضاعة الطبيعية، وهو ما يدل على أهميتها.
بعد ستة أشهر من ولادة الطفل، تبدأ عملية ظهور الاستقلال لديه، فهو يحاول أن يأكل بالملعقة بيده، وقد يبكي حين يخلصه أحدهم إياها، وتبدأ أمور كثيرة مع النمو، فالطفل يقلّد ويريد ويحاول أن يفرض تصرفاته التي يتشبّث بها.
من هنا تبدأ إشكاليات تناول الطعام عند الأطفال، فمنهم من يتناول زيادة عن حاجته، وغيره بنسب قليلة، ومنهم من يصعب إطعامه، ما يؤثر في النمو بشكل كبير ويجعل الطفل عرضة للإصابة بالأمراض المختلفة.
إنَّ نسب كمية تناول الطعام تختلف من طفل إلى آخر، وهذا يعود لحيثيات كثيرة منها: اجتماع أعداد من الأطفال على مائدة واحدة، واختلاف في طرق تناول الطعام، والسلوكيات التي تظهر من قبل الوالدين أثناء تناول الطفل الطعام، وردات فعل الأطفال من بكاء وغضب وانفعال، وقد يضرب الطفل الملعقة من يد الأم، وما إلى ذلك من سلوكيات تختلف من طفل إلى آخر.
كما قد يكون تعرّض الطفل لفقدان الأم مثلاً سبباً في اضطرابه الغذائي؛ وكذلك بعد العمل الجراحي الذي يتعرّض له الطفل، مما يؤثر على عملية البلع لديه، وقد يعاني من ارتجاع المري ومشكلات تنفسيَّة. كذلك تلعب الوراثة دوراً في هذا الشأن، فربما يكون أحد أفراد الأسرة مصاباً باضطرات الأكل، كما تلعب الإصابة ببعض الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والتوتر وغيرهما دوراً في نشوء اضطراب الأكل؛ وكذلك فقدان الشهية، فيتناول الطفل الطعام بكميات قليلة، ويكون في بعض الأوقات غير مهتم بتناوله على الإطلاق، وربما للشره المرضي العصبي الذي هو أحد أنواع اضطرابات الأكل دور في طبيعة تناول الطعام، وغالبا ما يحدث هذا خلال فترة المراهقة أو في بداية سن البلوغ. وفي كثير من الأحيان، يمتنع الطفل عن تناول الطعام بسبب طبيعة الطعام أو لونه أو رائحته، وقد يعاني من فقدان الوزن أو النحول الشديد.
معظم الأطفال يفضلون الطعم الحلو على بقية الطعوم الأخرى، وهذا التفضيل غير مكتسب، بل متواجد في بيولوجية الطفل قبل ولادته. فبعض العلماء يعتقدون أن نسبة لا بأس بها من الأطفال يفضلون الطعم المالح أيضاً، وهذا الاختلاف في التذوق قد يستمر في الظهور حتى عمر المراهقة المتأخرة، ولا توجد له أسباب واضحة .
ولطرق التخلص من تناول الحلويات، يجب تناول كمية لا بأس بها من الماء، وممارسة الرياضة، وتناول غذاء صحي وبشكل منتظم، والابتعاد عن مناظر الحلويات لأنها تثير الشهية، وتناول السكر الطبيعي الموجود في الفاكهة.
ومن النصائح التي تشجع الطفل على تناول الطعام، هي من المهم أن تقدم الأسرة أصنافاً متنوعة من الطعام للطفل، حتى تكون له فرصة في الاختيار، وخاصة إذا كانت تلك الأطعمة تمتلك ألواناً مختلفة، فمن شأنها أن تثير شهيته وفضوله. وفي حال امتنع عن تناول الخضراوات نيئة، فمن الأفضل سلقها
وتقديمها له.
كما يمكن للأم اصطحاب طفلها إلى المتجر لانتقاء الخضراوات والفاكهة حسب رغبته، وإشراكه في طهو الطعام، وخاصة الذي لا يفضله، ومن الضروري عدم ترك الطفل يجلس وحده أمام المائدة ليتناول الطعام؛ بل يجب مشاركته، والتحدث إليه عن متعة الطعام وتنوع مذاقه وجماليته لتشجيعه وبث الثقة في نفسه كي يكون جريئاً عند الأكل.
تقديم الوجبات الغذائية الصحية المتوازنة على أن تكون ملائمة لعمر الطفل. والعمل على عدم إجباره على تناولها عند يكون غير راغب في ذلك، ومن الممكن تناول وجبات صغيرة على فترات.
في حال استمر اضطراب تناول الطعام عند الطفل، فمن الأفضل استشارة الطبيب للعلاج، وإجراء الفحوصات اللازمة التي تساعد في الشفاء، وفي حال وصف الطبيب لأدوية معينة، فيجب تقديمها له بانتظام كي يتخطى الحالة.
الطفل يحتاج إلى دراية وعناية ومراقبة دقيقة؛ ومن ثمّ فأي خلل في سلوكه يستدعي من الأهل تداركه أو علاجه بسرعة؛ وجود الأم أو أي معيل قربه غاية في الأهمية لمساعدته على تخطي مشكلاته الصحية بشكل عام قبل أن تتفاقم،وتتطلب الوقت الطويل في العلاج.
ومهما كان الاضطراب في تناول الطعام لدى الطفل صعباً إلا أن القيام ببعض الإجراءات المذكورة سابقاً قد يعطي نتائج جيدة.