ذو الفقار يوسف
صاح حامد غاضبا بعد ان بانت الشعيرات الدموية في عينيه: «تعسا لحظي العاثر»، راح يفكر بصمت مطبق لا نهاية له، فهو يردد هذه المقولة كلما واجهته مصاعب الدنيا وعدم التوفيق، والدته هي الأخرى تحاول أن تعلمه بأن هذه الجملة سوف تجلب له التعاسة والخسران اذ ما بقي يكررها «سيكون حظك كذلك بسبب هذه الجملة، من الأفضل ان تتكلم مع ربك بهذا الامر» هذا ما قالته وهي ترمقه بنظرات العتاب والحسرة.
وبالرغم من نضوج حامد الذي تخطى عمره الثلاثين، الا انه فقير بما يتعلق بالمبادئ التي يجب ان يلتزم بها، فهو يقرر كل ليلة ان يصحو في صباح اليوم التالي، ليكون افضل في كل شيء، بعمله وأهدافه واحلامه، كما يقرر أن يحرم نفسه من الاستمتاع بكل ما يلهيه عن تصويب حياته، المستقبل هو كل ما يهم هذا ما يردده حامد عند اخر الليل، الا أن المشكلة في قراراته التي لم تكن في أحد الأيام انية، يفتح عينيه بعد فترة الظهيرة في اليوم التالي لينسى كل الوعود التي قطعها لنفسه، غير آبه بصحته، ويتغيب عن عمله باستمرار، ليسير على نهجه السابق، فالضمير لديه لا يعمل الا في منتصف الليل او أثناء رقوده على فراشه وتفكيره بمستقبله متسائلا بما الذي يجب عليه
فعله.
في إحدى الليالي، وعندما كان يفعل ما يفعله كل ليلة، نظر الى كف يديه وهو يغوص بتفاصيلها، لقد راقب تلك الخطوط التي رسمها الخالق في راحة يديه، العُقد، الأصابع والوانهن، وصار يقبض براحته ويفتحها مرة تلو الأخرى، فحامد يريد الوصول الى معنى، ليس أي معنى، معنى ان يكون ولما كان وكيف يجب ان يكون، ما الذي يجب فعله ليلتزم بقراراته الليلية، ان يكتسب قوة التغيير، فقط لأجل نفسه.
وصل اليأس الى قلب حامد، وقبل أن يسيطر عليه كليا كما كل ليلة، قرر ان يعمل بنصيحة والدته، فتوجه الى السماء ونظر اليها بأيمان مطلق، كأن كل الموجودات قد صمتت فقط لتعطيه الفرصة ليجد ما ينقذه، ولأول مرة في حياته، وجد نفسه امام هذا الكون الكبير، فنادى ربه لكن بتشكيك اليائسين، وسأله القوة بان يكون كما ما يريد، وقال: «ربي» وقبل ان يكمل دعائه وطلبه، عادت والدته لتطمئن عليه، ضمها الى صدره وقبل يديها واذا به
يسمع صوتا يقول له «سيكون»، تيقن حامد ان هذا الصوت لم ينبثق الا من راحه يد والدته.