تطورٌ تقنيٌّ مهمٌ يعيدُ كتابة التاريخ المبكر للبشريَّة

علوم وتكنلوجيا 2024/06/30
...

 أريستوس جورجيو
 ترجمة: شيماء ميران

يصفُ الباحثون التقنيَّة المبتكرة الجديدة، التي استخدمت في دراسة مواقد النار التي أنشأها إنسان النياندرتال، بأنها تطورٌ كبيرٌ في علم الآثار والذي من شأنه أنْ يُسلطَ الضوء على السلوك البشري في عصور ما قبل التاريخ.في دراسة نشرتها مجلة «Nature”، وجد فريقٌ من الباحثين متعدد التخصصات أنَّ سلسلة تتكون من ستة مواقد في “السلط”، وهو موقعٌ من العصر الحجري القديم في اسبانيا، تشكلت بمدة تتراوح من 200 الى 240 سنة، وقد يكون كلٌ منها قد تشكل في عقودٍ منفصلة.

النطاق الزمني للنشاط البشري
تكمن أهميَّة هذه النتائج في أنها تحدد النطاق الزمني للنشاط البشري في العصر الباليوليثيّ والمعروف أيضاً باسم العصر الحجري القديم، وهي الفترة الممتدة من عصور ما قبل التاريخ البشري وأول استخدام للأدوات الحجريَّة منذ أكثر من ثلاثة ملايين الى 12 مليون سنة، وكانت أحد أكثر المشكلات تحدياً في علم آثار ما قبل التاريخ.
لقد كان من الصعب تحديد الجدول الزمني لهذا النشاط بسبب محدوديَّة تقنيات التأريخ، فعلى سبيل المثال، لا يمكن أنْ تعطي تقنيات الكربون المشع تاريخ عينات يزيد عمرها على خمسين الى ستين ألف سنة، كما يمكن لتقنياتٍ أخرى أنْ تخطئ لعدة آلاف من السنين.يقول مؤلفو الدراسة: «رغم فرضيَّة أنَّ صائدي وجامعي آثار العصر الحجري القديم كثيرو التنقل، لكنَّ الجوانب الرئيسة لنمط حياتهم مثل التناغم بين المعسكرات وحجم مجاميع السفر لا تزال غير واضحة. كما أنَّ التعقيد في تكوين هذه المواقع يجعل من الصعب تحديد فترات الاستيطان البشري والزمن الفاصل بينها».وفي الدراسة الأخيرة، عالج فريق البحث برئاسة «انجيلا هيريجون لاجونيلا» من جامعة بورغوس الاسبانيَّة هذه المشكلة باستخدام تقنيَّة مبتكرة لفحص المواقد في موقع السلط والتي يعود تاريخها إلى نحو 52 ألف سنة مضت.

نتائج دقيقة
وتضمنت التقنيَّة الجمع بين تحليلات الطبقة الاثريَّة ومنهج يُعرف باسم التاريخ الأثري المغناطيسي، ما ساعد الفريق على تحديد ترتيب إنشاء المواقد وفق موقعها النسبي من طبقات الأرض.إذ تعمل التقنيَّة على دراسة وتفسير بصمات المجال المغناطيسي السابق للأرض والمسجل في بقايا الآثار المحترقة، وينجح هذا لكون المواد المحترقة تحتوي على سجلٍ لاتجاه وشدة المجال المغناطسي حينها.كشفت التقنيَّة أنَّ مواقد السلط قد تمَّ إنشاؤها بفارقٍ زمنيٍ يصلُ الى عقودٍ أو حتى قرنٍ من الزمن، ما يسلط الضوء على السلوك البشري للأوائل الذين انقرضوا منذ أربعين ألف سنة تقريباً، لتعطي بذلك توقيتات بدقة غير مسبوقة.يقول «سانتياغو سوسا ريوس»، الباحث في عصور ما قبل التاريخ والآثار والتاريخ القديم بجامعة فالنسيا الاسبانيَّة»: «حين كنا نقوم بالتنقيب نفترض أنها نتاجُ أحداثٍ من النشاط البشري، لكنْ لم نكن نعرف بالضبط الفترة الزمنيَّة بين هذه الأنشطة ما إذا كانت عقوداً أو قروناً».مضيفاً: «ومن هناك وضمن هذا الإطار، يمكننا فتح خطوط تحقيقٍ جديدة للدراسة، مثل أنماط التنقل والتغير التكنولوجي والاختلاف في استخدام الفضاء. التحدي في كيفيَّة جمع واستخلاص ما تقدمه لنا الأساليب». قد توفر المواقد معلوماتٍ مفيدة عن حياة إنسان النياندرتال في موقعٍ معين.

النياندرتال والحياة الفرديَّة
تشير النتائج الحديثة الى أنَّه رغم شدة نشاط وحركة إنسان النياندرتال، لكنْ قد يعود أحياناً الى مستوطناته السابقة بعد فترة طويلة ويبقى ضمن نطاق الحياة الفرديَّة.
تتمُّ دراسة السلوك البشري عادة في علم آثار العصر الحجري القديم على فترات زمنيَّة طويلة نموذجيَّة للعمليات الجيولوجيَّة، والتطور المهم هنا هو القدرة على ملاحظة التغيرات على فتراتٍ أقرب الى عمر الإنسان. وبالنتيجة فالتقنيات المستخدمة في الدراسة قد تساعد على تسليط الضوء على جامعي الآثار في العصر الحجري القديم، كما يمكن تطبيقها على مجالات أخرى لتحديد زمن النشاط البشري.يؤكد مؤلفو الدراسة: «أنَّها خطوة مهمة بالفعل في التقدم الى الأمام في علم الآثار، وستساعدنا على فهم السلوك البشري في الماضي بنحو افضل».

عن نيوز ويك