د.عدنان هادي جعاز
أبدت الحكومة في الآونة الأخيرة استعداداً كبيراً لدعم الاستثمار في القطاع العقاري من خلال إعطاء المستثمرين ميزات كبيرة جداً وهذا ما لاحظناه من خلال بعض بنود قانون الاستثمار وما خصصته الحكومة من أموال لدعم هذه المشاريع من خلال مبادرات البنك المركزي للإقراض العقاري .
و من الممكن أن تكون هذه فرصة ثمينة للاقتصاد العراقي حتى يحل جزءاً من مشكلاته وتكون انطلاقة حقيقية لولادة قطاع صناعي فعّال يُسهم في زيادة معدلات التوظيف والإسهام في إصلاح نسبة من الإخلال في الميزان التجاري، وما يعقبها من تقليل الطلب على الدولار، وخلق فرص نمو حقيقية تُسهم في التقليل من عبء الحكومة في توفير الدخل لجزء مهم من المواطنين ، وتؤسس لسوق مالية ناهضة تعمل على توفير التمويل وزيادة فرص الاستثمار المالي .
فلو أن الحكومة ضمَّنت هذا القانون بنداً يلزم المستثمرين في القطاع العقاري استخدام مواد البناء للمدن الاستثمارية عراقية الصنع ومن الممكن أيضاً إضافة هذا الشرط ليكون ضمن متطلبات الحصول على قرض عقاري.
إن هذه النقطة الوحيدة التي تجعلنا نقول إن هذا استثمار ناجح وشجرة مثمرة فعلاً تستحق ما قدمته الحكومة من امتيازات كبيرة وإنفاق على القطاع العقاري ومشاريع السكن ، وهذا الأمر ممكن وليس بالأمر المعقد من خلال تشجيع القطاع الخاص وإعطائه تسهيلات مثل ما أعطتها للمستثمر في المدن السكنية ، كما أن التكنولوجيا والذكاء الصناعي يسَّر الطريق إلى الصناعة وبمواصفات ومعايير قياسية. وهناك تجارب في العراق لرواد أعمال وطنيين أسسوا معامل تنتج بعض السلع المهمة، مثل الأنابيب بجميع أحجامها نجحت نجاحاً جيداً ولبَّت حاجة السوق ومشاريع بنى تحتية ستراتيجية.
فضلاً عن أن هذا المقترح سيدفع بعض المصانع الأجنبية لفتح خطوط إنتاج لمنتجاتها داخل العراق طمعاً في الاستفادة من هذه الميزة المهمة جداً خصوصاً مع حركة البناء الكبيرة، ورسوم الجمارك التي يجب أن تفرض على هذه المنتجات لا أن تعطى إعفاءات .
إن أصبحت لديه القدرة والشجاعة في إنفاق عشرات الملايين من الدولار، لبناء مراكز تسويق المستثمر العراقي اليوم ينفق أموالاً كبيرة في بناء المجمعات التجارية والمولات بمعنى أنه فعلياً تشجع على الاستهلاك ، لمنتجات أجنبية تعمل على ترويجها شركات أجنبية توظف عاملاً أجنبياً وهذه خطيئة اقتصادية كبيرة فالمنتج والتاجر والعامل أجنبي وبالتالي لا يمكن أن نسمي هذا استثماراً وهو تماماً كمن يزرع أشجار الكاربس بدل النخيل في بستان يطل على نهر دجلة .
فلو أن الحكومة تمكنت من تحويل عقلية أصحاب رؤوس الأموال من العقلية التجارية والمتحفظة إلى العقلية الصناعية ، وهو أمر ممكن مع بعض الضمانات والمتابعة والتشجيع والإعلام الموجَّه الذي يعمل على وضعهم في طليعة رجالات العراق، و يعطيهم قيمة اجتماعية مميزة، فهم يُسهمون ببناء الوطن وتوفير دخل يمكِّن إخوانهم في الوطن من العيش الكريم، ويخففون من عبء الموازنة، ومن الممكن أن تُسهم في المستقبل في زيادة الوعاء الضريبي ليكون له أثر فاعل في هيكل الموازنة العامة ، وزيادة قدرة الاقتصاد العراقي في مواجهة الأزمات والصدمات النفطية ، ويقلل من مشكلات البطالة الاجتماعية والسياسية .
وإلا فالواجب على الدولة أن تنهض هي بهذا الدور وهو ليس بالأمرالجديد في تاريخ العراق الاقتصادي إذ أكد على هذا الأمر الملك فيصل الأول في العراق في بعض توصياته لبناء اقتصاد عراقي مستقل بعد خروج الاستعمار البريطاني والذي بنى اقتصاداً عراقياً تابعاً له إذ قال :(وإذا لم يظهر طالب أو راغب لإنشاء عمل صناعي ترى الحكومة أنه مربح ، فعليها أن تقوم به من مالها الخاص ، أو من خلال الشراكة بين رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية) ، أو اعتماد ما يسمى رأس مالية الدولة
نعم بإمكان الدولة بناؤها وهي قادرة على ذلك لو أنها حوَّلت الأموال التي خصصها البنك المركزي لإعطاء القروض لمن يرغبون بشراء وحدات سكنية في تلك المدن والتي تبلغ عدة مليارات من الدولارات لهذه المشاريع، وضمَّنت فقرة أولوية المنتج العراقي لرخصة الاستثمار، من المؤكد أنها ستنجح وبالتالي وفي خلال مدة قصيرة جداً بإمكان خصخصتها للجمهور، وبالتالي ستحقق عدة أهداف اقتصادية كبيرة جداً وستراتيجية من خلال هذا الإجراء ، أولها خلق صناعة وطنية حقيقية تكون أساساً لانطلاق الصناعة بكل أنواعها، ثانياً توفير فرص عمل مهمة، ثالثاً سحب السيولة الفائضة مما يدعم قيمة الدينار أمام الدولار رابعاً تفعيل سوق المال بشكل فعلي جاد، وأهمها خلق الطبقة الصناعية وروّاد الأعمال.