الجامعات الأهليَّة وسوق العمل

اقتصادية 2024/07/01
...

عبد الزهرة محمد الهنداوي



منطقياً، أصبح وجود الجامعات الأهليَّة يشكل أهميَّة، بل ضرورة بمستوى عال، في ظلِّ النمو المضطرد للسكان، إذ يدخل إلى الدراسة الابتدائية ما لا يقل عن مليون تلميذ سنوياً، وهي أرقام قابلة للزيادة، مع تزايد عدد الولادات في كلِّ سنة، ولهذا لم يعد بإمكان الجامعات الحكومية التي شهدت هي الأخرى زيادة في أعدادها، استيعاب مخرجات الدراسة الإعدادية سنوياً، لاسيما مع انحسار مساحة التعليم المهني، ورصد حالة من العزوف لدى الأسر والطلبة عن الانخراط في هذا التعليم، لذلك بدأت سوق العمل تسجل حاجتها إلى التخصصات المهنية من خريجي الدراسة الإعدادية في مجال التجارة والصناعة وما تحتويه من تخصصات مختلفة، لأنَّ رغبة الطالب وأسرته في آن واحد، هي إكمال الدراسة الجامعية، وخصوصاً مع تحسن المستوى المعيشي للفرد في العراق، فأصبح بإمكان الطالب الذي لا يؤهله معدله للقبول في الجامعات الحكومية، أن يجد ضالته في الكليات والجامعات الأهلية، وهذا لا يعني القدح بالمستوى العلمي لتلك الجامعات، وإن كان الكثيرون يسجلون ملاحظات على مستوى التعليم الأهلي، على المستوى الجامعي.

نتحدث اليوم عن وجود ما لا يقل عن 199 جامعة وكلية أهلية، تقابلها 31 جامعة حكومية فيها 429 كلية، يدرس في الاثنين أكثر من مليون طالب وطالبة في مختلف الاختصاصات، فضلاً عن المعاهد التقنية والإعداديات المهنية.

ووفقاً لهذه الصورة، ومع وجود أعداد كبيرة من الخريجين سنوياً، فإنَّ مشكلة بنيوية بدأت تتضخم في الواقع الاقتصادي العراقي، هذه المشكلة تتمثل بعدم المواءمة بين حاجة سوق العمل من الاختصاصات، ومخرجات التعليم في العراق، ولهذا نجد أعداداً غير قليلة من المتخرجين سنوياً جالسين على دكة الانتظار لاقتناص فرصة عمل ربما يحصلون عليها، وعيونهم ترنو إلى المؤسسات الحكومية، على أمل أن تفتح الحكومة التعيينات لهؤلاء الخريجين، ومثل هذا الأمر لم يعد سهلاً مع وجود تضخم كبير في تلك المؤسسات، أصبح يمثل إرهاقاً حقيقياً لموازنة الدولة بصورة دائمة، وفي المقابل فإنَّ القطاع الخاص يبحث عن اختصاصات معينة، تتوافر على مؤهلات جيدة، قد لا يجدها في الكثير من الخريجين.

وفي ضوء هذه الصورة، فإننا فعلاً أمام مشكلة حقيقية، ينبغي الوقوف إزاءها طويلاً لإيجاد الحل المناسب لها، وفق رؤية واضحة وناضجة تضعها الحكومة، ويجري العمل على تنفيذها من قبل الجامعات الأهلية والحكومية على حد سواء، مع اعتقادي أنَّ مسؤولية الكليات الأهلية قد تكون أكبر، من نظيرتها الحكومية، ذلك لأنَّ الدراسة فيها تكون مقابل ثمن، وهذا الثمن ليس بالقليل، ولذلك ينبغي أن يكون الطالب المتخرج منها ذا كفاءة ومهارة عالية، تؤهله الدخول إلى سوق العمل بقوة، فضلاً عن كونها (الجامعات الاهلية) تمثل أحد أهمّ أجنحة القطاع الخاص، وهنا من المفترض أنها تعرف أكثر من غيرها ما هي متطلبات سوق العمل، وكيف يكون بإمكانها رفد هذه السوق بمتطلباتها من الاختصاصات، وإلا ما جدوى أن يتخرج في هذه الجامعات مئات الآلاف من الخريجين سنوياً، لينضموا إلى فريق العاطلين عن العمل، ومعنى ذلك أننا نعمل على تضخيم المشكلة، وليس حلها.

والحلّ هنا يكمن في توجيه مسارات التعليم ومواءمتها مع حاجات سوق العمل.