ياسر المتولي
تواجه أغلب اقتصادات البلدان الصاعدة تحديات الأزمات الاقتصاديَّة التي تخلّفها الظروف الدوليَّة وتراكمات جائحة كورنا ونتائجها وآثارها في النظام الاقتصادي العالمي برمته.
ومن تجارب عدّة نستخلص أنَّ كلَّ محاولات الإصلاح لتحقيق الاستقرار الاقتصادي تصطدم بنتائج وآثار الأحداث العالمية المتمثلة بحروب وتهديدات إضافة إلى عوامل طبيعية تتعلق بالوضع المناخي والبيئي السيئ الذي يواجهه العالم بأسره وغيرها.
ولنأخذ مثالاً قريباً إلى محيطنا الإقليمي، هو تجربة محاولات تركيا استعادة الاستقرار الاقتصادي الذي كانت تتمتع به قبل أكثر من 6 أعوام وتحديداً قبل العام 2018 وتجري الآن محاولات عدّة على أمل تحسين واقعها الاقتصادي ولكن من دون جدوى.
ومن المعروف أنَّ تركيا تتمتع باقتصاد متين متمثل باكتفائها الذاتي من أغلب المتطلبات بما فيها الغذاء والتطور الكبير في مجال الصناعة والزراعة، وحجم صادراتها فضلاً عن تطور واقعها السياحي فهي مرتع لأغلب دول أوروبا وغيرها من البلدان الآسيوية والعربية كما نشهد كلَّ عام.
ولعلَّ واحداً من أهمِّ أسباب التراجع الذي حلَّ بالاقتصاد التركي بالدرجة الأساس هي الأزمة التي حصلت لها مع أميركا والغرب وأدت إلى هجرة الأموال الأجنبية وإفراغ البنوك التركية منها وهروب الاستثمارات ما انعكس على انخفاض قيمة الليرة التركية وارتفاع معدلات التضخم وانتشار البطالة وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن التركي والتدهور الفعلي للعملة التركية.
وحاولت تركيا تشييد البنية التحتية ومشاريع الإسكان والتعمير بسياسة النقد الرخيص وهو الاقتراض الحكومي بأسعار فائدة شبه صفرية، إذ فضّلت سياسة التنمية ودرجة تنوع الاقتصاد التركي لإحداث طفرة نوعية في الاقتصاد على أمل الاستقرار الطويل الأمد وكانت تهدف لتحقيق دخل نقدي للأفراد وتشغيل مرتفع مع برامج دعم لأسعار الخبز وبعض النشاطات لقاء قبول تدهور وقتي في القوة الشرائية في العملة، معتقدة «أنَّ النموّ الحقيقي سيغلب النموّ في التضخم السعري» بحسب الخبير الاقتصادي د. مظهر محمد صالح. رافق ذلك مغادرة رؤوس الأموال الأجنبية والمطالبة بتسديد الديون الخارجية، فكانت النتيجة أن تعرّض الاقتصاد التركي إلى ظاهرة ما يسمى بالعجز المزدوج أي عجز داخلي في الموازنة العامة وعجز خارجي في الحساب الجاري لميزان المدفوعات، وتحاول تركيا اليوم قلب المعادلة بحيث رفعت أسعار الفائدة السنوية إلى 40 % ولكن للأسف لم تستطع العودة بالاستقرار السعري إلى ما قبل 2018.
الخلاصة والانطباع الذي خرجت به هو أنَّ أيَّ دولة مهما تتمتع به من ثروات ومتانة في اقتصاداتها لا يمكن أن تحافظ على استقرارها الاقتصادي إذا افتقرت إلى سياسة إدارة الأموال والثروة بشكل صحيح، فالسياسة النقدية الرصينة وتجنب وتحاشي الاصطدام بالمراكز المالية العالمية وحدها تكفل تحقيق النمو المطلوب والتنمية الحقيقية التي تقود إلى الرفاهية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
لنستفد من تجارب الآخرين سواء أكانت فاشلة أم ناجحة لتخطي عقبات وتحديات وآثار المتغيرات الدولية وتحاشي اللعب مع الكبار.