اختبار الديمقراطية

قضايا عربية ودولية 2024/07/04
...

علي حسن الفواز

تحتاج الديمقراطية إلى مَنْ يدافع عنها، وإلى مَنْ يُبرِّر إجراءاتها في إدارة ملفات السياسة والأمن والاقتصاد، وفي الكشف عن ما تُخفيه البرامج التي يحملها من يتوهم أنّ الديمقراطية هي خياره في النجاح، وفي فرض خطابه على الآخرين.
ما جرى في المناظرة بين مُرشحي الرئاسة الأميركية يكشف عن تعقيدات هذه الديمقراطية، وعن علاقتها بالتمثيل الناجح للأداء السياسي، حتى بدا الأمر وكأن الرئيس الحالي جو بايدن يتنابز بـ»الألقاب» مع الرئيس السابق دونالد ترامب أكثر من الحديث عن سجال سياسي للمرحلة المقبلة، وهي سابقة تُثير السخط، وترسم مشهداً في الكوميديا السوداء، فهل يُعقل أن تكون الديمقراطية في الدولة الكبرى مثاراً للسخرية، ولممارسةِ الفضح الرئاسي والشخصي؟ وكيف لهذين المرشحين أن ينالا ثقة مُريديهم بهذه الطريقة السينمائية؟
حملت المناظرة ما لا علاقة له بالمستقبل، ولا بالملفات الكبرى التي تدخل في ستراتيجيات الإدارة الأميركية، مثلما تحولت إلى لعبة في الاستعراض والتمثيل وفي إثارة هياج «الجمهور» الديمقراطي والجمهوري، رغم وجود رأي آخر يقول: إن ما جرى في المناظرة كان مقصوداً، وباعثاً على وضع العالم أمام صراع نفسي يمارسه الرؤساء لكي تكون الحلول رهينة بالوظائف العقلية وليس بالوظائف السياسية، وحُسن إدارة الملفات المعقدة والحساسة.
يفتح الوضع الانتخابي المقبل في الولايات المتحدة أفقاً غائماً، فالملفات المفتوحة غير آمنة، على مستوى الحرب في أوكرانيا، أو على مستوى الحرب التجارية مع الصين، أو على مستوى التورط الأميركي في العدوان الصهيوني على غزة، لكن ماهو غائب قد يبدو أكثر إثارة في تمثيل ذلك الأفق، لاسيما ما يتعلق بدور «الديموغرافيا» الأميركية العرقية في تغيير التوازن القوى، ليس لوضع الديمقراطية أمام تهديد واقعي ونقدي، بل لوضع هذه الديمقراطية في حساب المصالح والاقتصاد والحريات والحقوق، فالتظاهرات التي شهدتها الجامعات الأميركية المنددة بالدعم الأميركي للعدوان في غزة، والتهديد العنصري للمهاجرين والملونين، يكشفان عن معطيات من الصعب تغافل تأثيرها في نتائج الانتخابات، رغم أن المرشحين لم يجدا وقتاً – خارج التنابز- للحديث عن المستقبل السياسي لهذه «المكونات» في النظام السياسي، وفي تخفيف الضغط جرّاء ما يحدث في «أوروبا الديمقراطية» من سياسات وتهديدات تمارسها جماعات اليمين المتطرف.
بعيداً عن استطلاعات الرأي العام، فإن «العرض المسرحي الساخر» في المناظرة الانتخابية، وضع الكثيرين إزاء تصوّر أولي عن طبيعة التسابق الرئاسي، وعن مايحمله «الصراع» الجمهوري الديمقراطي من تحديات وحسابات داخلية تخص « التزوير والتدخل الخارجي» وعلى نحوٍ يجعل السياسة الأميركية في وضعٍ مُحرِج، وأمام ضغوطات من الصعب تطويعها في برنامج سياسي ناجح يدّعيه هذا الطرف أو ذاك.