ياسر المتولي
تبقى الأزمات الماليَّة والاقتصاديَّة تدور في فلك الاقتصاد العالمي مع فارق بنسب التأثير بين بلد
وآخر وفقاً للإمكانيات.
الحقيقة تؤكد أنَّ الدول الصاعدة (الناشئة) وحتى التي تحاول الصعود غالباً ما تواجه مشكلات التراجع الاقتصادي وتأثيراته السريعة والموجعة وبلوغ نتائج معاكسة.
تحدثت في مقالي السابق عن التجربة التركية ومحاولات معالجة الأزمة الاقتصادية التي واجهتها تلك البلاد وكيف تصدّت لها وما زالت كنموذج مقارب لنفس التحديات التي يواجهها الاقتصاد العراقي للمقارنة ليس إلّا. واليوم نتحدث عن تجربة مصر في مواجهتها أزمتها الاقتصادية كنموذج ثانٍ يمكن الاستفادة منه وعلى وفق المبدأ الذي حدّدناه في مقالنا السابق، هو أنَّ كلَّ الاقتصادات الصاعدة أو التي تحاول الصعود لابد أن تصطدم بتحديات الظروف الدولية والداخلية وما إلى غيرها من الأسباب بغية النظر لها من زوايا مختلفة للأسباب، كذلك فحص طبيعة التحديات وسبل تجاوزها أملاً بالاستفادة من تجارب الآخرين. ولعلَّ مؤشرات الأزمة المصرية تتلخص بانخفاض قيمة الجنيه المصري إلى مستويات متدنية ما أحدث زيادة في التضخم وارتفاعاً في الأسعار، بما يحتّم على الدولة زيادة الدعم لتلبية احتياجات الغذاء بالدرجة الأساس.
بينما الذي حدث تحت ضغط الأزمة المالية أنَّ إجراءات اتخذت لإزالة جوانب من الدعم للأسعار الضرورية لتقليل عجز الموازنة.
يلاحظ أنَّ مصر ظلت تسعى لإطلاق التنمية كهدف أساسي ولكن بات يؤسس على قاعدة الفقر وتدهور مستوى المعيشة على أمل حصول نمو أفضل في المستقبل ولكن هذا التوجه من السياسات محفوف بالمخاطر واللايقين.
وقد تمخض عن هذا التوجه ارتفاع التكاليف المعيشية مما زاد الطين بلة، وحتى الكهرباء بدأت بالتراجع مع ما لها من تأثير في الإنتاج والحياة الاقتصادية بمجملها.
ولعلَّ من الأسباب التي أدت إلى حدوث الأزمة المالية وتراجع قيمة الجنيه أيضاً خروج الأموال الساخنة وهروب الاستثمارات إلى الخارج بحثاً عن استثمار آمن يدر أرباحاً أعلى عدا ضغط خدمة الدين العام والحاجة إلى السيولة الدولارية.
كما اتجهت مصر للاقتراض الخارجي وبيع بعض الأصول لاستثمارات سعودية وقروض صندوق النقد الدولي مقابل شروطه برفع الدعم وتعويم الجنيه. وسرعان ما تنفست مصر الصعداء وتجاوزت الانهيار الاقتصادي بتسديد الديون وحصول انتعاش نسبي في اقتصادها إلّا أنَّ الأزمة عادت من جديد بشكلٍ مفاجئ.
ويعزو خبراء الاقتصاد السبب إلى ضعف إدارة العملية الاقتصادية واعتماد إدارة المشاريع التنموية التي رفعت التكاليف فاشتعلت الأسعار وعاد مؤشر التضخم يفعل فعله ما دفع السيسي إلى تغيير طاقم الوزارات الاقتصادية وبشخوص الوزراء في الحكومة الجديدة التي أعلن عنها الأسبوع المنصرم.
وعليه فإنَّ مؤشرات ارتفاع التضخم وأسعار الصرف والأسعار واحدة من أهم عوامل الضغط على اقتصاد البلاد وعدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والتي تُنذر بمشكلات وتحديات لا تحتاج إليها الدولة مع أول تجربة لها في انتهاج إدارة المشاريع التنموية والتي لا تكفي وحدها لتوليد انتعاش اقتصادي بل تحتاج إلى إدارة اقتصادية سليمة واعتماد رؤى خبراء الاقتصاد بشكل منسق ومتوازن.