علي حسن الفواز
كشفت الانتخابات البرلمانية في فرنسا عن اصطفاف سياسي مثير للجدل، اختلطت فيه أوراق القوى السياسية ورهاناتها، فاستطلاعات الرأي العام فشلت في رصد معطيات هذا الاصطفاف، وجعلت من هزيمة اليمين المتطرف نوعاً من الكوميديا السوداء، بعد أن فشل هذا اليمين في الحصول على الأغلبية، ليجد نفسه في تراجع سياسي، وأمام تحالفات يمكن أن تضعه حتماً خارج التشكيل الحكومي.
فوز تحالف اليسار الذي جمع "الجبهة الشعبية الجديدة" اليسارية بـ 178 مقعداً من أصل 577 في الجمعية الوطنية سيرسم خارطة مغايرة للواقع الفرنسي، وعلى نحوٍ جعل من تلك الانتخابات وكأنها "دراما" كما وصفته وكالات الأنباء، كما جعلت الاصطفافات الجديدة خاضعة لتوجهات غير واضحة، سيفقد فيها حزب الرئيس ايمانويل ماكرون " يمين الوسط" قدرته على إدارة الملف الحكومي، وسياسات المرحلة المقبلة، وبقدر ما كان فشل حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة ماري لوبين صادماً في الحصول على أرقام متقدمة، فإن النتائج أكدت أهمية الواقعية الشعبية الداخلية الرافضة لهيمنة سياسات اليمين، ولتوجهاته المعادية للمهاجرين والعرب والمسلمين.
الحصول على 289 مقعداً سيكون تطلعاً صعباً للأغلبية البرلمانية، مثلما سيكون خياراً لصياغة تحالفٍ لا يقل صعوبة، بين اليسار واليمين، أو البحث عن حلول برغماتية تجعل من "تحالف الجبهة الشعبية الجديدة" الفائز والذي يضم الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي وحزب فرنسا الأبية وحزب البيئة الأوروبية، أمام اقتضاء الواقع في الحصول على رئاسة الحكومة، رغم أن الخلاف حول هذا " الاقتضاء" يمكن أن يجعل الوضع السياسي الفرنسي في فوضى، تُصعّب على الرئيس ماكرون اتخاذ القرارات الستراتيجية على المستوى الأوروبي أو على المستوى الدولي، لاسيما الموقف من الحرب في أوكرانيا، أو من الحرب التجارية إزاء الصين، أو مواجهة الأزمات الداخلية، ومنها أزمة المهاجرين، وأزمة التضخم، والبيئة.
ما جرى في المرحلة الثانية من الانتخابات الفرنسية أطلق العنان لتكهنات سياسية متعددة، إذ كشف عن استشعار واقعي من خطورة هيمنة اليمين المتطرف، وجرّ المجتمع الفرنسي إلى صراعات أهلية، أو إلى أزمات داخلية من الصعب السيطرة على إيقاعها، لكن الأكثر صعوبة في تداعيات نتائج الانتخابات يتبدّى عبر توصيف التحالفات المقبلة، فحزب ماكرون يرفض التحالف مع حزب فرنسا الأبية، والأحزاب الأخرى ترفض التحالف مع اليمين، وهذا ما يجعل الخارطة البرلمانية أمام مشكلات عميقة، وتوجهات قد تؤثرّ في توقيت اجتماع الجمعية الوطنية، وفي اختيار رئيس جديد للوزراء.