ذاكرة المنفيّ وحنينه

ثقافة 2024/07/11
...

 عدنان الفضلي


القصة العراقية القصيرة في المنفى هي ثيمة "الذاكرة والحنين" للدكتور عبد جاسم الساعدي، وهو كتاب صدر في المنفى وتحديداً في لندن عام 1996 وكان حصيلة علاقات جميلة مع المبدعين العراقيين في الخارج، كما يقول الساعدي في مقدمة الطبعة الثانية التي صدرت مؤخراً بطباعة مشتركة بين داري العراب والصحيفة العربية. 

في مقدمة الكتاب يقول الدكتور الساعدي: ركزت الدراسة "الذاكرة والحنين" في القصة العراقية القصيرة في المنفى على قراءة النص القصصي، لعدد كبير من القصاصين، كانت لبعضم تجارب قصصية تمتد إلى الستينيات والسبعينيات في العراق، وبدأ آخرون الكتابة لاحقاً، بعد رحلة اغتراب شاقة فأخفقت "نصوص" في التحرر من كوابيسها القديمة في الشعارات والانتماء ما يعني وجود "سلطات" معنوية تفرض شروطها في الكتابة.

المبحث الأول للكتاب جاء بعنوان "علامات اجتماعية وسياسية في تطوّر الأدب القصصي" وهو مبحث يستقصي التاريخ الحديث للقصة العربية والعراقية، مستذكراً أحداث وشخصيات تركت بصمتها في هذا التاريخ، ومما جاء في هذا المبحث "يمكن اعتبار الأعمال القصصية الأولى التي ظهرت في البلدان العربية، سواء كانت التاريخية أو الاجتماعية أو القصص الرومانسية بمثابة "مقدمات" في هامش الإبداع لا ترقى إلى جوهره ولا تنفذ إلى أسراره ومكوناته، لأنها غير متوافرة على شروطه الفنية".

المبحث الثاني جاء بعنوان "مرجعية القصّ العراقي في المنفى" وفيه يؤكد الكاتب على أن القصّ العراقي في الخارج تعرض لضغوطات شتى، وأن كثيرا من المبدعين العراقيين نال منهم الاضطراب بسبب تأثرهم بالواقع السياسي العراقي في الداخل وكذلك الخارج، كما يتناول هذا المبحث النشأة الأولى للسرد وكيفية تأثره بالأحداث والأزمات التي مرت بالعراق والوطن العربي، ومما جاء في المبحث "سيظل الأدب القصصي في العراق والوطن العربي محمولاً بالبنية التأريخية 

الحديثة، خصوصاً جانبها السياسي لعقود طويلة، ما دامت الأحوال مضطربة في كل الوجوه".

المبحث الثالث "تداعيات الماضي بين تجربة الانتماء والمنفى" يستدعي الماضي ليحاول من خلاله فحص النص الإبداعي وتفكيكه ومعرفة معطياته، وكذلك هناك محاولة لكشف العناصر الغريبة والدخيلة عليه، بوصفها نصاً أيدولوجياً، كما ترد في المبحث إجراءات نقدية على عدد من النصوص القصصية التي كتبها أدباء منفيون، ومما جاء فيه "يجد الدارس تخصيص عدد من النصوص القصصية الواقعة تحت وطأة الشعور بالحصار والتجربة في فضاء السجن، بمعناه السياسي المضاد للإنسان كما لحظنا عند هيفاء زنكنة وفائز الزبيدي وكريم عبد وشاكر الأنباري وسمير أنيس و رحيم كريم وعبد الله صخي".

المبحث الرابع كان هو ثيمة الكتاب وثرياه المضيئة حيث حمل عنوان "الحنين والذاكرة" وقد اشتغل فيه الساعدي على استدعاء الطفولة على اختلاف روافدها الاجتماعية والثقافية، وعلى الحنين إلى الماضي القريب، حيث يقدم لنا الكاتب قراءات سريعة في نصوص تستدعي طفولتها ومما جاء فيه "الطفولة التي ستحدثنا النصوص عنها، ليست واحدة في خصائصها ولهجاتها ومفردات لغتها، وكذلك رؤيتها إلى محيطها والعالم، لأنها ذات بيئات اجتماعية مختلفة".

يطرح المبحث الخامس "الحرب/ السؤال والفاجعة" النصّ القصصي وهو يحاول إعادة النظر في الحرب، بأهوالها والمآسي التي أفرزتها، كما يسعى الكاتب إلى سحب المتلقي لمنطقة يعاني فيها كتاب القصة العراقية من ذاكرتهم التي تحمل خوضهم أتون تلك الحروب عن قرب ومعرفة معانيها المدمرة، كما أن الساعدي قدم لنا إجراءات نقدية على بعض النصوص التي كتبت في المنفى ومما جاء فيه "يبدو أن قصص الحرب لا يكتبها راو ولا مؤلف، بقدر ما تكتبها الحروب نفسها، والوجوه الأليفة إلى الروح والرفقة معها في أيّ موضع من مواضعها، والعواصف الهوجاء والخراب والدوي والصراخ مع الشعور بالعجز في الاحتجاج".

أما "من إيقاعات الإحباط والموت في كردستان العراق" فهو مبحث يعالج القصص الحزينة في النص العراقي الذي رسم كردستان وهي تتشح بالهمّ المتجذر في الموت والصراع والإنحسار المتوازي مع حرائق الحرب العراقية – الإيرانية وفشل المواثيق والجبهات السياسية "الهجينة" كما يصفها الساعدي، كما يضم المبحث رؤى نقدية يقدمها الكاتب بشأن نصوص قصصية عالجت تجربة "الأنصار الشيوعيين" في جبال كردستان، ومما ورد فيه "تنظر قصص أخرى إلى كردستان العراق، بوصفها ميداناً للحملات العسكرية والقتل والخراب الذي يعمّ أرجاءها".

المبحث السابع من الكتاب جاء تحت عنوان "إغتراب البطولة" وهو يدرس النص القصصي العراقي في الخارج ويقدم درساً آخر في إتراب "البطل" القصصي بمفهوم شعري بحت، والذي يعنى بالقلق الداخلي للبطل واضطراباته وصعوبة تآلفه مع محيطه الإجتماعي، بخاصة حينما تسري فيه أسباب تهميش الإنسان، كما يقدم لنا الساعدي وجبة أخرى من الرؤى النقدية بهذا الشأن حين يستدعي بعض النصوص القصصية المكتوبة في المنافي، ويقول"وجد البطل القصصي نفسه محاصراً في ديار الغربة، يلاحظ الإنهيارات، يمتحن ذاته، مثلما يمتحن أفكاره ورؤاه، ويضع تجربته وانتماءاته على المحك ويقدم الأسئلة ويحاول اكتشاف العالم من حوله".