التأمين التنموي

اقتصادية 2024/07/11
...

عبد الزهرة محمد الهنداوي




باتت بلدان كثيرة في العالم تولي التأمين اهتماما كبيرا، وتفرد له مساحة واسعة في سياساتها التنموية وقوانينها وتشريعاتها، لما يمثله من دور في إشاعة الطمأنينة وتبديد مخاوف الناس، لأن كل شيء في حياتهم سيكون مؤمنا، فهذه  الولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت تسيطر على  نحو  الثلث من إجمالي سوق التأمين العالمية، وثلث آخر تتقاسمه دول منطقة اليورو واليابان، بينما لم  تزل حصة الدول النامية ومن ضمنها العراق، متواضعة جدا.

وواضح أن ثقافة التأمين عندنا ما زالت خجولة، ولا يجد هذا الأمر اهتماما من قبل الناس، ولا حتى من وسائل الإعلام، إذ إن مساحة البرامج والمواد الإعلامية التي تتناول هذا الملف، لا تشكل إلا مساحات ضئيلة ضمن مساحة البث العام، ولعل الأمر ذاته ينسحب على دور منظمات المجتمع المدني، وقبل ذلك مؤسسات الدولة.

يأتي توصيف المشهد التأميني في العراق بهذا الشكل، في ظل وجود مؤسسات حكومية وغير حكومية تعنى بقضايا التأمين، وحين نتحدث عن هذا الملف، فإن التأمين الذي نشير إليه لا يقتصر على جانب محدد، لاسيما مع الأهمية الاقتصادية البالغة للتأمين، فهو أداة مهمة لجمع المدّخرات، ومن ثم إمكانية الاستثمار بهذه المدخرات في جوانب مختلفة، يمكن أن تسهم في تحقيق التنمية وتوليد المزيد من فرص العمل، وبالتالي فإن استثمارات كبيرة تنتج عن مدخرات التأمين، ستؤدي بالضرورة إلى خفض نسب البطالة وتمكين الفقراء، الذين سيستفيدون كثيرا من هذا الجانب، فلو أشرنا إلى قانون الضمان الصحي مثلا، الذي صدر عام 2020، وما يتضمنه من مساحة جيدة للتأمين، فإن شريحة الفقراء هي المستفيد الأكبر من مزايا هذا القانون، لأنهم سيحظون برعاية صحية، تكاد تكون مجانية، إن لم تكن فعلا كذلك، ولكن على الرغم من دخول القانون حيز التنفيذ منذ نحو سنتين، وعلى الرغم أيضا من كونه إلزاميا، إلا أن النتائج ما زالت دون مستوى الطموح، حتى مع قيام وزارة الصحة والكثير من الجهات الساندة لها بحملات توعوية وتعريفية، بأهمية الاشتراك بالضمان الصحي، وبالفوائد والمزايا التي سيحصل عليها المستفيد، وفي مقدمتها تخفيض الأسعار بنسبة تصل إلى أكثر من (75 %) للمسجلين، مقابل نسبة استقطاع لا تتجاوز الـ (1 %) من الراتب الكلي للموظف، الذي سيحصل على تأمين وضمان صحي لأفراد أسرته ووالديه أيضا.

والتأمين هنا لا يتوقف على الجانب الصحي وحسب، إنما يمتد  إلى التأمين على الممتلكات كالمساكن  والاستثمارات  والأنشطة التجارية والسيارات، لاسيما مع تزايد أعداد الحوادث المرورية بشكل مخيف خلال السنوات الأخير، (أكثر من 12 ألف حادث مروري عام 2023)، ومعنى ذلك أن قطاع التأمين يعد من القطاعات الساندة للاقتصاد، ويمكنه التدخل في حالة حدوث أي أزمة اقتصادية قد تربك المشهد التنموي.

وتكشف بعض المؤشرات الإحصائية، عن أن عددا من شركات التأمين العراقية، وفي مقدمتها شركة التأمين الوطنية، حققت أرباحا لا بأس بها، ولكن هذا قطعا غير كاف، فما زالت نسبة الحاصلين أو الذين يتمتعون بالتأمين قليلة جدا بالمقارنة مع عدد السكان (أكثر من 43 مليون نسمة عدد سكان العراق)، وكذلك مع وجود عدد غير قليل من شركات التأمين التي تزيد على عدد مثيلاتها في المملكة العربية السعودية، مثلا. 

ومن هنا فإن قطاع التأمين في العراق، بحاجة إلى دعم كبير وتمكين متواصل، لكي يحقق الأهداف التنموية، التي تتجسد بتحسين مستوى الخدمات المقدمة للناس، والتأمين يمثل مسارا تنمويا مهما في هذا السياق، لأنه يخلق الطمأنينة لدى الإنسان، ما يدفعه نحو المزيد من العطاء.