سعاد البياتي
اليوم نستذكر سيدة الصبر والكبرياء، سما نورها وتجليات صبرها وقوتها عبر كلمات استغاثت بقلم أبى إلا أن يكتب روائع الاستحقاق لسليلة نبي الرحمة، هنا استوقفني تسارع الخطى نحو مشهدها حينما زرته لأول مرة منذ سبعة أعوام، لحظات صامتة إلا أنها تنطق دموعاً وآهات لقصة مفعمة بالقتل والسبي والوجع الكبير الذي استقر زماناً في تلك القصة والحكاية العاشورائية.
كل من كان بقافلة العقيلة الهاشمية شعر بالاحساس ذاته،( صمت ودموع) انهارت النفوس والقلوب والأجساد نحو مقامها بتعازٍ ورثاء أفقدنا شعورنا بالآخر، وتمسكنا بشباك بنت المرتضى بكل اشتياق ولوعة وكأنها تستقبلنا وترد علينا العزاء ببكاء سيد الشهداء، لحظات أدركنا فيها غربتها وأنينها الحار الممزوج بصدى روعة ضريحها المتألق والمتميز بنقوشه وتصميمه البارع في الكمال والهيبة، ملأه عطر ما زال ينساب في ذاكرتي كل يوم وكأنني حظيت به لفرط حبنا وتعلقنا بالعقيلة، وتمر الأيام على مكوثنا في أرض الشام وكلما هرعنا إلى مقامها المقدس تتجدد الآهات والدموع، ففي باحات ذلك المكان تتراءى أمامك تلك المسيرة المرة والقاسية وكيف وصل الركب الزينبي إلى هنا وفيه من المسافات ما ينهك القوى، كم تحملت سيدتي ومن معك لتجعلي من قصة السبي رمزاً لكبرياء الهواشم وعنواناً لشموخ البيت النبوي العظيم، جئناك من بعيد متلهفين نحمل لك سلاماً من كربلاء الحسين.
بيان التحدي
الباحثة في الشأن العقائدي رجاء البيطار تبين في بحثها عن السيدة زينب بالقول:
لاأبالغ حينما أقول إننا كلما دنونا من تلك البقعة الشريفة نتوق لركبها ومسيرتها الطويلة والأليمة في
رحلة السبي إلى الشام، إذ خلدها التاريخ كأعظم الرزايا والمظلوميات لأهل النبوة ووقفتها الجادة والمدوية في دار خلافة بني أمية اللعينة حينما وقفت شامخة لتصدر بيان التحدي الذي ما زال يرددونه دون توقف، ويبنون عليه تضحياتهم المعنوية، عندما خاطبت قاتل أخيها قائلة «والله لن تمحوَ ذكرنا، ولن تميت وحينا» لتكون هذه الشخصية عنواناً لحفظ الذكر المحمدي والوحي الإلهي، فأي تقصير
معها ولو في مماتها هو خيانة للذكر وللوحي، لتمثل طهر وعفاف كل امرأة مسلمة، وحمية كل رجل مسلم،
وهي التي جعلت من واقعة كربلاء نهضة معنوية وجهادية ما زالت إلى يومنا هذا، فضلا عن أنها
حاضنة الدموع والآلام والصبر والغربة مروراً بكل من التحم بروح المسير الكربلائي ولأنها محور من محاور العقيدة التي يقصدها وينتمي إليها المسلمون من كل بقاع العالم، وما زينب إلا حب محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فلذكراها وقع في أفئدة النساء المعزيات ليوم العاشر من محرم، ولمراثيها وصبرها تنتظم القصائد والمرثيات بأحلك الكلمات والمعاني، وإلى مقامها الشريف تنشد الرحلات والقوافل كل عام حاملة معها المواساة واللهفة لتلك البقعة المقدسة،(فإليك تهفو قلوب المؤمنين، فخذيني في ركبك سيدتي).
تأثير وإيثار
يصف الشيخ ماجد العوادي شخصية السيدة زينب متحدثاً:
في وجدان كل إنسان حقيقة لا يمكن نفيها أو نكرانها، تدور في عالمه الروحي كما تدور الأرض دورانها المعتاد، نحتت في صخر الانتماء لآل البيت وفجيعتهم بسيد الشهداء ومصاب أسرته الكريمة مراثي الوجع بحروف من دم وكبرياء، السيدة زينب عليها السلام الرمز الثوري الأعمق بعد سبط رسولنا الكريم عليه وآله أفضل الصلاة، تأثيرها القوي في نفوس شيعة أهل البيت وما تعنيه لهم من صورة الصبر العظيم والإيثار وحفظ كرامة أحفاد أهل وأصحاب الحسين في معركة الطف الخالدة على مر التاريخ، تمكن هذا الحزن من التعمق في الوجدان الاسلامي وصار قضية وتعبيراً عن الحق ونصرة المظلوم وحفظ تراث بيت النبوة.
في شام سوريا يتراءى مقام مشهدها العظيم وعلوه بشموخ، لتكون أولى محطات العزاء المحفور في تقويم الشهادة وخط استمرارها، وأي زائر لمشهدها الشريف يستشعر الأسى وعمق المصيبة حينما يشم عبق ريحها الطاهرة عن بعد، فللمقام هالات من الحزن تلمسه بدلالة انسياب الدموع لحظتها بغزارة لما تمنحه الصورة المباركة من تفاصيل شجاعة عن مدى ما تحملته هذه السيدة من مآسٍ وويلات في عاشوراء.